فكيفية بيان الأحكام لهم ليست بأن يجتمع جميع تلك العدة في مكان واحد ثم يبينوها جميعا، بل كل منهم على حدة يبين لجمع يرجع إليه، ويقبلون قوله إذا كان ثقة - فلذلك تدل الآية على اعتبار قول كل من المتفقهين لقومهم، وحيث إن الإنذار كما يمكن أن يقع بنقل نفس السنة التي وقع التفقه بها يمكن أن يقع ببيان الحكم المستنبط منها، وكلاهما متعارف داخل في إطلاق الآية، فلذلك تدل الآية على حجية خبر الثقة وفتوى المجتهد كليهما، والاشكالات المذكورة في كتب الأصحاب خروج عن المغزى والمقصود من أمثال الآية والله الهادي.
فالآية المباركة تدل على طريقية قول المجتهد لمن يرجع إليه، وإن لم تكن فيه دلالة واضحة على إمضاء تلك القاعدة العقلائية، أعني قاعدة رجوع الجاهل إلى العالم، وإنما دلت على إعتبار بعض مواردها أعني حجية فتوى المجتهد لمن يأخذ عنه معارف الدين، من غير دلالة أيضا على حصر الاعتبار بها، كما لا يخفى.
وأما السنة، فيمكن الاستدلال له بطوائف من الأخبار:
الأولى: ما يكون ظاهره إمضاء قاعدة رجوع الجاهل إلى العالم، وهي صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة فقال:
إلق عبد الملك بن جريح فسله عنها فان عنده منها علما (1) " الحديث ".
وجه الدلالة أنه (عليه السلام) علل إرجاعه إلى عبد الملك بقوله: " فان عنده منها علما " وهو بيان صغرى لكبري ارتكازية، وهي أنه يجوز الرجوع إلى العالم، فإلقاء هذه الصغرى والاكتفاء بها في ذكر العلة فيه دلالة واضحة على تعويله (عليه السلام) على تلك الكبرى وإمضائه لها. وسيأتي إمكان استظهار هذا المعنى من صحيح ابن أبي يعفور من روايات الطائفة الثالثة.
الثانية: ما تدل على جواز الإفتاء، والفتوى - كما في مجمع البيان - هي تبيين المشكل من الأحكام أو - كما في مفردات الراغب - الجواب عما يشكل من