بقوله: * (إن كنتم لا تعلمون) * يكون قرينة على إرادة معناه اللغوي الذي لا ريب في عدم هجره، كما يشهد له مثل قوله تعالى: * (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم * وإنه لذكر لك ولقومك) * (1). فهذا الذيل قرينة على إرادة معنى يقارب العلم من لفظة الذكر، وأنه كأنه قال: " فاسألوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون ".
وثانيا: لو سلم أن المراد بأهل الذكر أهل الكتاب السماوي إلا أن التذييل المذكور يوجب أن يكون في الآية دلالة وإشارة إلى تلك القاعدة الارتكازية، ونفس هذه الإشارة كافية في انفهام تثبيت تلك القاعدة العقلائية، على ما ذكرناه غير مرة: من أنه إذا كان للعقلاء قاعدة عملية ثم ورد في لسان الشرع كتابا أو سنة تعرض لها، فالعقلاء يفهمون منه إمضاء تلك القاعدة، وأن الشارع أيضا قائل بعين ما يقوله العقلاء، وحينئذ فلو كان مراد الشرع غير هذا المعنى لكان عليه البيان، وإلا فالظاهر المستفاد من كلامه عند العقلاء تقرير تلك القاعدة وإمضاؤها، كما هو واضح.
والإنصاف: أن دلالة الآية المباركة على ثبوت هذه القاعدة عند الشرع أيضا تامة يصح الاستدلال بها هنا، كما صح الاستدلال بها في حجية خبر الواحد أيضا، فإن الراوي أهل علم بألفاظ الروايات صح الرجوع إليه في أخذها منه، نعم يشترط في موردها كون العالم ثقة في قوله، والدليل عليه اشتراطه فيها عند العقلاء، كما لا يخفى.
ومنها: قوله تعالى في سورة البقرة: * (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) * (2).
بيان الدلالة: أنه تعالى ذمهم على اتباع الآباء بالدلالة الالتزامية التي يدل عليها ذيل الآية المباركة المسوقة في صورة السؤال ودعوة وجدانهم وفطرتهم إلى