جواب بديهي عنه، فقال: " هل يجوز عندكم وفي وجدانكم هذه التبعية عمن هو جاهل لا يعقل ولا يهتدي شيئا؟ " فاستشهد عقولهم واستعانها للاعتراف بعدم جوازها حينئذ، وإذا كان سوق الآية هكذا فلا محالة فيها دلالة على أن التبعية عن الغير صحيحة إذا كانت تبعية الجاهل عن العالم، فتدل على أن القاعدة الارتكازية وهي رجوع الجاهل إلى العالم وحجية قوله له وطريقيته لديه ممضاة عند الشرع أيضا، لما مر من أن مجرد الإشارة كافية في الدلالة على تقرير مثل هذه القاعدة وإمضائها.
ومنها: آية النفر قال الله تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * (1).
بيان دلالتها: أن الآية المباركة إشارة إلى قاعدة عقلائية وأمر مفطور هو بيان ما عليه العقاب وفيه الثواب بواسطة من تفقه في الدين، وإنذارهم به لقومهم، والتفقه ناظر إلى المعنى المستفاد من الألفاظ، والإنذار أيضا إنما يكون به، وحيث إن الآية ناظرة إلى طريقة مألوفة عقلائية، فتدل على أن المداليل والأحكام المستفادة لهم من الآيات والسنة التي وقع التفقه فيها إذا ذكرت لقومهم وانذروا بها فقولهم وإنذارهم حجة وطريق معتبر لقومهم، ويقع لهم الحذر منها، فلا محالة يكون إفتائهم واستنباطهم معتبرا لقومهم.
نعم، إن الاستنباط كان في ذلك الزمان بسيطا في الغالب والعادة، لكنه لا يخرج عن الآية ما إذا كان محتاجا إلى إعمال روية ودقة، فتدل - بعد تنزيل مفادها على المتعارف - على حجية قول المجتهد مطلقا لمن يرجع إليه ويقلده.
فالحاصل: أن الآية المباركة حيث إنها ناظرة إلى طريقة مألوفة عند العقلاء في مثل موردها - فإن أهل قرية مثلا إذا بعثوا عدة للتفقه فتفقهوا ورجعوا إليهم