ومن الواضح أن أهل الذكر والعالم في كل مورد شخص خاص ربما كان غير العالم في غير هذا المورد، فالعالم بأحكام الاسلام ومعارفه هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) أولا ثم أصحابهم الآخذون عنهم، والعالم بأن الأنبياء كانوا رجالا ومن جنس البشر - كما في مورد الآية - هو أهل الكتاب أو خصوص علمائهم، والرواة عالمون بألفاظ الأحاديث، والمجتهدون عالمون بمقتضى الأدلة الشرعية، فللجاهل أن يرجع إلى العالم في كل مورد، ويكون قوله حجة وطريقا متبعا له.
نعم، إن علماء اليهود والنصارى ليسوا أهل الذكر بأحكام الإسلام، والرجوع إليهم لهذه الغاية باطل ربما استتبع الخروج عن طريق الإسلام، فما ورد في الأخبار المعتبرة من اختصاص أهل الذكر بهم (عليهم السلام) محمول على مثل هذا المعنى، وإلا فدلالة الآية الشريفة على إمضاء تلك القاعدة العقلائية واضحة جدا.
إن قلت: إن ما ذكرت صحيح إذا كان الذكر أريد به معناه المصدري، وأما إن أريد به القرآن أو النبي (صلى الله عليه وآله) فلا محالة ينحصر مفاد الآية بالمسلمين، بل بالأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، ولا عموم لها، بل يمكن أن يقال: إن المراد بالذكر هو الكتاب المنزل من السماء، كما ربما يشهد له قوله تعالى: * (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) * (1). وبهذا المعنى أطلق في قوله تعالى بعد الآية التي نستدل بها: * (... وأنزلنا عليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم...) * (2) فالقرآن والتوراة والإنجيل والزبور وكل كتاب سماوي هو الذكر، وأهل الذكر هم أهل هذه الكتب، فلا عموم للآية يشمل كل عالم ليصح الاستدلال بها في تقرير تلك القاعدة العقلائية.
قلت أولا: إن إطلاق الذكر على القرآن أو كل كتاب سماوي لا دليل فيه على إرادة هذا المعنى منه في الآية المباركة، بل إن تذييل قوله: * (فاسألوا أهل الذكر) *