وعليه فلا مجال لأن يقال: إن أسباب المعاملات ليست متعلقة لتكليف إلزامي ليجري فيها البراءة الشرعية، والمسببات تجري الأصول في الحكم بعدم حدوثها أو بقاء أضدادها، فكان اللازم فيها عدم الاجزاء.
وذلك لما عرفت من أن حديث الرفع يعم كل أمر جعلي كان في جعله كلفة على الأمة، ولا يختص بخصوص الوجوب والحرمة التكليفيين، فمع الشك في كل ما فيه كلفة يجري حديث الرفع، وكان لازمه الإجزاء، كما عرفت.
ثم إن الوجه الذي اخترناه يجري ويثبت الإجزاء، ويقدم على جميع الطرق الذي استدل به لعدم الإجزاء في الأمارات.
وذلك أنه قد يستدل له بإطلاق الدليل القائم على التكليف الذي إليه استند الرأي الجديد، فإنه طريق معتبر كاشف عن تحقق التكليف المذكور في جميع الأزمنة التي منها زمان اجتهاده الأول فإذا لم يعمل به فعليه الإعادة في الوقت، والقضاء خارجه لصدق الفوت على تركه في وقته.
كما قد يستدل له - مع الغمض عن الوجه الأول - بأن الاستصحاب يقتضي بقاء التكليف السابق لاحتمال عدم إجزاء ذلك الناقص، كما أنه قد يستدل له مع الغض عنهما بأنه بعد حصول العلم وما بحكمه بوجود التكليف من أول الأمر فالعقل يحكم بالاشتغال حتى يعلم الفراغ، فمقتضى الأمارات والاستصحاب وقاعدة الاشتغال هو عدم الإجزاء. هذا.
وأنت خبير بأنه لما كان المفروض جهل المجتهد قبل تبدل رأيه بالتكليف الواقعي فهو حينئذ مشمول لحديث الرفع، ومقتضاه ارتفاع التكليف المستقل أو غير المستقل عنه في زمان جهله، فتختص أمارة الوجوب بخصوص زمان العلم وارتفاع الجهل ولو في مرحلة ترتيب الآثار. وهذا لا ينافي حكومة الأمارات أو ورودها على الأصول، فإنه إنما هو بعد قيامها عند المكلف، لا في زمان الجهل وقبل العثور عليها، كما لا يخفى.
فحديث الرفع يجري ما دام جاهلا، ويوجب ترتب حكم عدم التكليف