ومجرى لحديث الرفع، فكانت مثل ما كان مستند الإجتهاد السابق من أول الأمر نفس حديث الرفع، نعم ما لم يتغير اجتهاده فالمجتهد يتخيل الموارد خارجة عن موضوع الحديث، ويكون القطع أو الأمارة المستند إليها واردا أو حاكما على الحديث، إلا أن هذه الحكومة ظاهرية تخيلية، ويرتفع أثرها بعد قيام الدليل على بطلان ذاك الإجتهاد.
وعليه فإن قلنا بأن حديث الرفع يقتضي الإجزاء بعد اتضاح الواقع كان اللازم في جميع موارده القول به. وقد مر في مبحث الإجزاء أن حديث الرفع مثل أصالة الحل والطهارة مقتض للإجزاء، وإن كانت قاعدة الاستصحاب لا تقتضيه، وتمام الكلام في ذلك المبحث.
ثم إنه لا فرق في ما ذكرنا من اقتضاء أصل البراءة الشرعية للإجزاء بين الواجبات والمعاملات، وذلك أن المجتهد كما أنه قبل تبدل رأيه جاهل بوجوب السورة وكونها جزءا للصلاة فهكذا هو جاهل باشتراط العربية - مثلا - في العقد، ولا ريب في أن اعتبارهما في الصلاة أو العقد أمر جعلي تابع للتقنين، فهو قد كان جاهلا بهذا الأمر المجعول، ولا شك في أن في جعله كلفة زائدة على المكلفين فلا محالة يكون مشمولا لعموم قوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن أمتي... ما لا يعلمون... "، ومقتضى الجمع بينه وبين الدليل الذي عثر عليه في الإجتهاد الثاني الدال على جزئية السورة أو شرطية العربية أن تختص هذه الجزئية والشرطية بخصوص العالم بهما، غاية الأمر أن هذا الاختصاص إنما هو في مرحلة ترتيب الآثار والعمل بالقوانين فقط، لئلا يلزم إختصاص الاحكام الواقعية بخصوص العالم بها، وينحفظ اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل.
لكنه - على أي حال - تكون نتيجة الجمع العرفي بين الأدلة: أن الصلاة الواجبة للجاهل بجزئية السورة - ولو في مرحلة ترتيب الآثار - إنما هي معنى يعم الفاقدة للسورة، وأن العقد المنشأ للأثر الفعلي للجاهل باشتراط العربية هو الأعم الشامل للعربي وغيره.