تحصيل الوظائف الشرعية ومعرفة الأحكام الإلهية صعبة، ولما كانت شريعة الاسلام شريعة سهلة سمحة، ولكان نفوس كثيرين آبية عن الإلتزام بها، لما فيه من التكليف بمعرفة أحكامه من طريق خصوص القطع بها، والعدول عما عليه طريقة العقلاء من الاعتماد عليه وعلى كل طريق معتبر عقلائي أيضا، فمع هذا الاحتمال لا دليل على التدارك المذكور.
بل التحقيق: أن الدليل على خلافه، وذلك أنه لا ريب في أن إعتبار الطرق العقلائية كخبر الثقة وظواهر الكلمات عند العقلاء أنفسهم ليس إلا من باب الطريقية المحضة، وعمدة الدليل على اعتبارها شرعا أيضا هي السيرة العقلائية التي لم يردع الشارع عنها، والأدلة اللفظية الواردة على اعتبارها أيضا ظاهرة في إمضائها، فلا محالة يكون اعتبارها شرعا أيضا على حد اعتبارها العقلائي في قالب الطريقية المحضة لا يعدوها أصلا.
ومنه تعرف أنه لا وجه للالتزام بإنشاء أحكام ظاهرية مولوية في موارد الأمارات، كما لا حكم فيها عند العقلاء أصلا، ولو تفوه بما ظاهره الأمر باتباعها لكان أمر ارشاديا ينشأ من ثبوت الواقع بها ولزوم إطاعة تكليف المولى المتعلق به. والحق في هذا المجال مع صاحب الكفاية، المنكر لوجود أمر ولو كان طريقيا في موردها.
نعم، ما أفاده من أن المجعول فيها مجرد الحجية ليس على ما ينبغي، فإن العقلاء يرونها طرقا موصلة إلى الواقع - والشارع أيضا أمضاها - والطريقية أمر أكثر من مجرد الحجية، فإن إسناد مؤدى الطريق المعتبر إلى الشارع صحيح جائز بلا ريبة، وليس كذلك الحجة، فإن احتمال التكليف قبل الفحص حجة منجزة للتكليف الواقعي - لو كان - مع أنه لا يجوز إسناد أن في مورده تكليفا قطعا، وكان الإسناد المذكور من مصاديق أن يقال على الله ما لا يعلمون الذي هو حرام بنص الكتاب، قال الله تعالى: * (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر