قال: وسر إختصاص أدلة الامارات والأصول بالمجتهد هو أن المقلد لا يقدر على الفحص عن المعارض المحتمل وتنقيح مجرى العمل بالأمارات والأصول فلا يمكن أن يعمه أدلة اعتبارها.
أقول: وأنت بعد التأمل في ما مر منا تعلم أنه لا يمكن لنا تصديق ما أفاده:
أما أولا فلأنه لو سلمنا ما أفاده من الإختصاص لكان اللازم أن نقول في المقلد أيضا بالإجزاء مطلقا، فإنه بعد انكشاف الخلاف في أمارية رأي المجتهد يتبين أن المقلد كان جاهلا بالتكليف الذي كان في البين، وقد فحص عنه ولم يقصر في وظيفته فيجري فيه حديث الرفع، الذي قد عرفت أن مقتضاه الإجزاء بل نقول: إن سلمنا ما أفاده كان اللازم هو القول بالإجزاء بالنسبة للمقلد حتى في موارد استند فيها مفتيه إلى الاستصحاب وقلنا بعدم الإجزاء فيها للمجتهد نفسه، كما لا يخفى.
وأما ثانيا: فلما بينا في بعض المباحث السابقة، ولعله يأتي له زيادة توضيح في المباحث الآتية أيضا، من أن سر حجية قول المجتهد أنه من أهل الخبرة والإطلاع بما تقتضيه وتدل عليه الأمارات والأصول، فهو يتحمل مشقة الفحص والتحقيق، ويطلع على الأدلة الواردة في كل مسألة ويستخرج مفادها ومقتضاها بعد ملاحظة القرائن الموجودة ولو كانت منفصلة، وبعد رعاية مقتضى أخبار العلاج - لو كانت هناك قرينة أو معارضة - ويخبر بهذا الذي استخرجه، ثم إنه لما كان ثقة وأهل خبرة واطلاع كان خبره هذا حجة معتبرة لمن يقلده.
فليس باب التقليد باب حجية الرأي، بل إنما هو باب حجية قول الثقة الخبير، فكما أن باب حجية نقل العارف بفتاوى المجتهد باب حجية خبر الواحد فهكذا باب حجية فتوى المجتهد للمقلدين.
وحينئذ فلا محالة إنما يكون فتواه حجة وطريقا إلى مفاد الأمارات القائمة على الأحكام والأصول الدالة على وظائف من لا علم له بها، وأدلة اعتبار الطرق والأمارات كأدلة، اعتبار الأصول الشرعية عامة لكل أحد، فخبر الواحد الثقة