حين بقاء الإجتهاد الأول، فكان مشمولا للرفع المدلول عليه بحديث الرفع.
ولا فرق في هذا الذي ذكرناه بين ما كان حالته السابقة على الإجتهاد الأول يقينا بذاك التكليف وبين غيره، وسبقها باليقين لا يوجب جريان استصحاب التكليف في زمان الجهل الواقعي المذكور حتى يمنع جريان حديث الرفع، وذلك أن قوام جريان الاستصحاب بالشك الذي يتوقف على الالتفات إلى الشئ والتردد فيه، ولا يكفي فيه مجرد عدم العلم، كما حقق في باب الاستصحاب، وهذا بخلاف حديث الرفع، فإن موضوعه " ما لا يعلمون " الصادق مع الجهل المركب أيضا.
وأما ما قد يقال (1) من أن جميع الأحكام الظاهرية متقومة بالالتفات إلى موضوعها، ضرورة كونها وظائف عملية للمتحير ليرتفع بها تحيره في مقام العمل، فممنوع، بأنه لا دليل عليه، بل هي كسائر الأحكام تابعة في السعة والضيق لصدق موضوعها وعدمه، فإذا صدق موضوعها في زمان الغفلة أيضا وكان في جعلها ثمرة تخرج بها عن اللغوية، كما في ما نحن فيه، كان الواجب العمل بإطلاق الدليل والقول بعمومها لزمن الغفلة المذكور أيضا.
ومن التأمل في ما ذكرنا تعرف عدم الفرق في شمول حديث الرفع بين ما كان مقدمات الإجتهاد السابق صحيحة كأن استند إلى ظهور بعد الفحص الكافي عن قرينة خلافه، ثم عثر عليها اتفاقا مثلا، وبين ما ظهر خطأ بعض مقدماته، كان أخطأ في الاستظهار، أو في تخيل موثقية راو ليس بثقة، وغير ذلك، وذلك أن جميع هذه الموارد تشترك في صدق أن التكليف المذكور كان من ما لا يعلمون، فعموم الحديث يعم جميعها، نعم يشترط في صدقه أن لا يكون مقصرا، وأن يكون معذورا في الخطاء المفروض.
وبالجملة: فالحق أن موارد الأمارات كالقطع تكون مصداقا لما لا يعلمون