وبعد ذلك يبقى الكلام في أنه مقدم على الترجيح بمخالفة العامة أم لا؟
فقد عرفت أن صحيحة عبد الرحمن المذكورة ظاهرة جدا في تقدمه عليه، إلا أنه ربما يستشكل ذلك بإطلاق بعض الأخبار الواردة في الترجيح بمخالفة العامة، حيث أرجع ابتداء إلى الأخذ بما خالف العامة، وإطلاقه شامل لما كان الموافق للعامة موافقا للكتاب أيضا:
ولكن الجواب عنه واضح، فإن هذا الاطلاق أيضا كسائر الإطلاقات قابل للتقييد بدليل آخر، فيقيد به بلا إشكال. وسيأتي ذكر هذه الاطلاقات عن قريب إن شاء الله تعالى.
فآخر المرجحات المنصوصة هي مخالفة العامة، فإنها قد ذكرت في مقبولة عمر بن حنظلة - كما عرفت - بعد فرض عدم ترجيح من حيث الموافقة والمخالفة للكتاب والسنة، كما ذكرت في صحيحة عبد الرحمن الماضية أيضا بشرط أن لا يوجد حكم المتعارضين في كتاب الله. وذكرت أيضا في أخبار أخر:
ففي موثقة الحسن بن الجهم قال: قلت للعبد الصالح (عليه السلام): " هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلا التسليم لكم؟ فقال: لا والله لا يسعكم إلا التسليم لنا.
فقلت: فيروى عن أبي عبد الله شئ، ويروى عنه خلافه، فبأيهما نأخذ؟ فقال: خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه " (1). ودلالتها واضحة لا تحتاج إلى بيان.
وفي خبر الحسين بن السري، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم " (2).
وهو في الدلالة كسابقه إلا أن سنده ضعيف، باشتماله على الإرسال. وبجهالة الحسين بن السري.
وفي خبر محمد بن عبد الله، قال: قلت للرضا (عليه السلام): كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ فقال: " إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما