المتعارضان أو ما يساوقه - نعم، التعارض أو الاختلاف لا يتحقق إلا إذا لم يكن جمع عقلائي، ولا محالة يوجب التحير في الحكم الواقعي - وهو شامل لكل من وصل إليه الخبران ومن بحكمه، وتقييده بالمتحير في وظيفته الفعلية مضافا إلى أنه مخالف لظاهر الأخبار يوجب أن لا يشمل من لم يأخذ بعد بواحد من الخبرين أيضا، ضرورة أن نفس جعل التخيير ترفع هذه الحيرة، فالموضوع هو " من جاءه المتعارضان " وهو وإن سلم تقييده بمن لم يأخذ بواحد منهما، إلا أن الحكم الشرعي المستفاد من الأخبار المجعولة له، هو التخيير الاستمراري والسند ما عرفت، وهذا الحكم هو أنه مخير في كل واقعة في الأخذ بأي من الخبرين شاء، لا في إحداث الأخذ به في ابتداء الأمر، كما عرفت مفصلا. والحمد لله وحده.
وبالجملة: فالتخيير وإن لم يكن في مسألة فرعية - كما في التخيير بين القصر والإتمام - إلا أنه يعم كل واقعة ومصداق، فهو مخير في كل مصداق ومورد للخبرين أن يأخذ فيه ويعمل فيه بأي من الخبرين شاء، فهذا التخيير في عين أنه استمراري ليس تخييرا في المسألة الفرعية أيضا، وهو واضح.
ثم إنه بعد وضوح دلالة هذه الأخبار الكثيرة على استمرارية التخيير لا نرى حاجة للبحث عن استصحابه، فإنه فرض على فرض. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
تنبيه:
حيث إن الأصل في الطرق المتعارضة التساقط وعدم حجية شئ منها في خصوص مفاده واعتبار واحد منها ترجيحا أو تخييرا تعبد قد دل عليه الأخبار، فلا محالة يقتصر على مفادها، وليس فيها ما يدل على عموم الحكم لغير الروايات، فلو تعارضت البينات أو قول أهل الخبرة وأمثال ذلك فلا تدل هذه الأخبار على جريان الترجيح والتخيير فيها، وقد مر عند البحث عن لزوم الإقتصار في الترجيح بالمزايا على خصوص المذكور في الروايات ما ينبه على المطلوب، فتذكر.