العامة فخذوه، وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم فدعوه " (1).
ودلالتها أيضا واضحة، إلا أن سندها غير معتبر، لتردد محمد راوي الخبر بين الثقة وغيره.
فموثقة ابن الجهم المؤيدة بالخبرين تدل بنحو الإطلاق على أن المخالفة للعامة مزية توجب الأخذ بذيها، واطلاقها يقتضى ذلك وإن كان الخبر الآخر موافقا للكتاب، لكنك عرفت دلالة صحيحة عبد الرحمن على تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامة، وبه يقيد هذا الإطلاق.
فالحاصل: أن مخالفة العامة من المرجحات، إلا أنها متأخرة عن الترجيح بموافقة الكتاب.
ثم إن من مصاديق الترجيح بمخالفة العامة ما إذا كان كلا الخبرين موافقين للعامة، لكونهم قائلين بمفاد كليهما، فبعضهم قال بمفاد أحدهما، وآخر بالآخر، فإن مقبولة عمر بن حنظلة تصرح حينئذ بأن اللازم هو ترك ما كان قضاتهم وحكامهم إليه أميل وأخذ الآخر.
وكيف كان فاستشكل المحقق الخراساني (قدس سره) هنا أيضا الترجيح بموافقة العامة، بأن أصالة عدم صدور الخبر تقية، أو أصالة كونه لبيان الحكم الواقعي غير جارية في الخبر الموافق لهم، بملاحظة تعارضه مع الخبر المخالف لهم الذي ثبت صدوره بطريق موثق - كما هو المفروض - فليس الخبر الموافق بنفسه حجة على مراد الشارع الواقعي، ويكون كما لو كان معه قرينة حالية أو مقالية متصلة على صدوره تقية، فكما لا يعارض حينئذ خبر آخر يتضمن خلاف مضمونه، فهكذا في ما نحن فيه، وعليه فالأخبار الواردة في الأخذ بالمخالف من قبيل الإلزام بأخذ الحجة وفي مقام تميز الحجة عن اللا حجة، لا في مقام ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى.