المحرزية أن دليل الاستصحاب أعني قولهم (عليهم السلام): " لا ينقض اليقين بالشك " قد نهى عن نقض اليقين بالشك، ولا محالة لا يراد به النهي عن نقضه حقيقة، وذلك أنه بمجرد الشك قد انتقض اليقين حقيقة، وفرض الشك فرض لنقضه، فمع فرضه في لسان دليله كيف يمكن إرادة معنى النقض حقيقة، بل لابد وأن يراد به النقض في مقام العمل، فنهي الشارع عن النقض العملي ورفع اليد عن مقتضى اليقين السابق يؤول إلى أن المتيقن السابق باق ومحكوم بالبقاء في محيط القانون، وهو التعبد ببقائه، ومدى هذا التعبد وسعة دائرته تابع لمفاد الدليل وتحقق موضوعه، وحيث إن موضوعه أعني الشك في ما تيقن به صادق في كلا الطرفين فالتعبد بالبقاء أيضا ثابت ولا إشكال.
وثانيا: أن ما ذكره في الجواب عن الإيراد بعدم جواز التفكيك من لزوم مخالفة العلم التفصيلي في استصحاب طهارة الطاهرين دون استصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن في المتوضئ المذكور يرد عليه: أن ملاك عدم جريان الاستصحابين كان هو العلم الوجداني بعدم بقاء الواقع في أحدهما، ولا فرق فيه بين الموردين أصلا.
مضافا إلى أنه ليس لنا علم تفصيلي في استصحاب طهارة الطاهرين، فإنا نعلم هنا أيضا بأنه إما هذا نجس وإما هذا الآخر نجس، فالموضوع غير معلوم تفصيلا، كما في الموارد الاخر، وإن كان المحمول واحدا عنوانا.
وذكر شيخ مشايخنا (قدس سره) في درره وجها اعتمد عليه في الذهاب إلى جريان الاستصحاب في كلا الطرفين حتى في فرض العلم الإجمالي بوجود تكليف إلزامي في أحد الطرفين كما في استصحاب طهارة الطاهرين.
قال (قدس سره) ما لفظه: اللهم إلا أن يقال بالترخيص في أحدهما... من جهة الأخذ بإطلاق دليل الترخيص في كل من الطرفين وتقييد كل منهما بمقدار الضرورة، بيان ذلك أن مقتضى عموم الدليل الترخيص في كل من الإناءين المشتبهين مطلقا، أعني مع ارتكاب الآخر وعدمه، والمانع العقلي إنما يمنع هذا الإطلاق، ولا ينافي