يعاقب عبدا أسند إليه ما لم يثبت له أنه قد قاله، كما يحكمون بأن ما لم يثبت حجيته فليس بحجة، لا إثباتا، ولا إسقاطا. هذا.
ثم إن الحرام - كما عرفت - هو نفس إسناد ما لم يعلم إلى الله تعالى، ونفس القول بغير علم، وهو غير العمل الخارجي والتعبد العملي بالظن. اللهم إلا إذا كان العمل واقعا في مورد يفهم منه عرفا هذا الاسناد.
وبالجملة: الحرام هو الاسناد لا العمل، وهذه الحرمة كما ترى غير مسألة حرمة البدعة التي هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، فإنها بملاك آخر وعنوان آخر. كما أنها ليست حرمة إرشادية ومن توابع حرمة المعصية، ولا من بابها، وذلك أن أمر المولى أو نهيه إذا كان إلزاميا يستتبع ترتب العقاب على معصيته، بما أنها عصيان له ومخالفة، ولذلك لا يكون النهي عنها بملاك جديد لكي يبحث عن أنه مولوي. وأما مسألة إسناد ما لم يعلم به إليه تعالى فليس من توابع التكاليف الاخر حتى يتوهم فيها الإرشادية، وحكم العقلاء بترتب العقاب عليه مثل حكمهم بترتبه على الظلم لا بأس فيه أن يجتمع مع الحرمة المولوية التي هي ظواهر الأدلة الشرعية، فما في تعليقة المحقق الخراساني (قدس سره) هنا (1) غير سديد.
وقد يقرر الأصل هنا: بأن مقتضى الاستصحاب هو عدم طريقية ما شك في طريقيته، وعدم حجية ما يشك في حجيته، ولازمه عدم تنجز ما قام عليه من التكليف وعدم سقوطه به، وأن جواز الإسناد الذي من خاصة الطرق لا يثبت من قبل هذا المشكوك الطريقية.
وقد يستشكل بأن مجرد الشك في الطريقية والحجية كاف في حكم العقل بعدم الحجية، وبعدم جواز الاسناد استنادا إليه، ولا حاجة معه إلى إحراز عدمهما، فإن هذا الحكم العقلي مترتب على معنى أعم من عدم الطريقية والحجية ومن الشك فيهما.