خلاف التحقيق جدا، فإنه بعد العثور على المخصص والمقيد ينكشف أنه لم يكن في موردهما إرادة وجد أصلا، ولا جعل وتقنين أبدا، وإنما كان فيهما تخيل وجود القانون اتكالا على أصالة العموم أو الإطلاق التي قد انكشف بطلانهما. فكما أنه إذا صدر عن المولى والمقنن أمر ظاهر في الوجوب ثم قام قرينة على إرادة الاستحباب لا يصح أن يقال: إن الحكم القانوني هو الوجوب، فهكذا الأمر في العام أو المطلق الذي أريد منه خلافه، كما لا يخفى.
وبالجملة: فأساس حل الإشكال هنا هو قانونية الأحكام، كما عرفت، وإلا فإشكال تناقض تجويز الحركة على طبق الأمارة المعتبرة مع فعلية الإرادة المقومة لها لا مدفع عنه بشئ من الوجوه المذكورة في كلمات الأعلام والمشايخ قدس الله أسرارهم.
وأما القول بأن المجعول - في باب الأمارات المعتبرة - هو الحجية كما في الكفاية فهو غير متين، إذ مجرد الحجية وإن سوغت ترتب العقاب إلا أنها لا تجوز نسبة مفاد الأمارة إلى المولى، كما في أطراف العلم الإجمالي، والشبهة قبل الفحص عن الحكم، ومن المعلوم جواز إسناد مفاد الأمارات القائمة على الحكم إليه تعالى، فلا بد وأن يكون المجعول هي الطريقية.
ولو سلمنا إنشاء حكم مماثل في مورد الأمارات فكما أن الجمع بينه وبين الحكم الواقعي بأن الواقعي حينئذ واقف في مرتبة الإنشاء غير صحيح، لما عرفت من أن الحكم الواقعي المشترك بين العالم والجاهل هو حكم لو علم به لما كان معذورا في مخالفته، وهذا شأن الحكم الفعلي لا الإنشائي، فهكذا الجمع بأن الحكم الظاهري طريقي دعا إلى جعله مصلحة في نفسه، ولذلك لا يضاد الحكم الواقعي المبتني على الملاك في المتعلق والإرادة والكراهة ولو في النفس الولوية، كما في الكفاية. وذلك أنه إذا سلم أن للحكم الطريقي أيضا بعثا فعليا حقيقيا مولويا. فهو لا يجتمع مع نهي واقعي فعلي مولوي مثلا نحو شئ واحد، ومنشأ المضادة فعلية البعث والزجر المولويين، طريقيا كان أم نفسيا.