القوانين عند العقلاء موضوع لزوم الحركة على طبقها إذا كانت في مرتبة الفعلية وقامت على المكلف حجة عليها، فهكذا الأمر في الأحكام الشرعية، فإن الظاهر أنها أيضا قوانين وضعها الله تعالى ورسوله لإيصال ملاكاتها إلى الأفراد أو المجتمع، أو لأغراض اخر أيضا، ولا وجه للالتزام بتعلق إرادة واشتياق فعلي إلى متعلقاتها وموضوعاتها لكي يقال - بعد امتناع وجود هذه الإرادة أو الانزجار في الله تعالى المنزه عن عروض الحوادث - بعروضها في النفس النبوية أو الولوية، بل الظاهر المنسبق من أدلة الأحكام أن ما تضمنتها فإنما هي قوانين كالقوانين الجارية بين الملل والأقوام، غاية الأمر أن واضعها ومقننها هو الوحي الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من ناحية أبدا.
وحينئذ فهذا الحكم والقانون الفعلي الذي هو أمر اعتباري مجعول، من آثاره وأحكامه العقلائية أنه إذا قامت حجة عند المكلف عليه يعاقب على مخالفته إذا خالفه، وإذا لم تقم حجة عليه وكان مجهولا فالتكليف والقانون وإن كان قانونا فعليا إلا أن العقلاء يأذنون بمخالفته ويحكمون بأن الجهل عذر للجاهل به إذا لم يكن جاهلا مقصرا، فهذا القانون يتحمل الإذن في مخالفته وعدم امتثاله، فكما أن الأمر فيه هكذا عند العقلاء في مرحلة الجهل به لا عن تقصير فكذلك إذا جعل المقنن أمارة إليه وأخطأ عنه، فخطؤه عن الواقع لا يغير القانون الواقعي عما هو عليه، إلا أن مقتضى جعل الطريقية لهذه الأمارة تجويز الحركة على طبقها، ولازمه الإذن في مخالفة القانون، وقد عرفت أن القانون يتحمل هذا الإذن في خلافه. هذا.
وهذا الحل كما يجري في الأمارات فهكذا يجري في الأصول الشرعية أيضا حرفا بحرف.
ومما ذكرنا في بيان حقيقة القانون تعرف أنه أمر مجعول وحكم حقيقي وإن كان يتحمل الإذن في خلافه أيضا، فما عن سيدنا الأستاذ " أدام الله ظله العالي ":
من عد مضمون العمومات أو الإطلاقات التي ليس الجد على طبقها، بل ورد تخصيص أو تقييد فيها، فعدها في موارد التخصيص والتقييد من الأحكام القانونية