فالشك بتصريح هؤلاء يطلق على المعنى الأعم، وإن كان قد يطلق على اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، وقد أطلق عليه في غير واحد من الأخبار:
منها: ما في صحيح زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أو نقص فليسجد سجدتين وهو جالس، وسماهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) المرغمتين " (1).
فإن الظاهر منه أنه (عليه السلام) قد فسر الشك بعدم الدراية المذكور في كلامه، ومعلوم أنه شامل لمورد الظن بأحد الطرفين أيضا.
والأخبار بمثل هذا التعبير أو غيره مما فيه دلالة على إرادة المعنى الأعم من مادة الشك كثيرة في أبواب خلل الصلاة من الوسائل، فراجع.
والظاهر أن من قبيل هذه الأخبار أخبار الاستصحاب كما يدل عليه مقابلته باليقين، وظهورها في أن الذي يقوى على نقض اليقين هو يقين آخر مثله لا غير، وقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة الأولى بعد السؤال بقوله: فإن حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به؟ قال: " لا، حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجئ من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك، ولكن ينقضه بيقين آخر ".
فقد أجاب (عليه السلام) أولا: أنه ما لم يتيقن الحدث لا يجب عليه الوضوء، وأكده بلزوم أن يجئ ويقوم عليه أمر بين مبين لأنه أحدث، وهو عام شامل لمورد حصول الظن الغير المعتبر بالحدث أيضا. ثم قال (عليه السلام): " وإن لم يستيقن فلا ينقض اليقين بالشك "، وفيه دلالة واضحة على إرادة المعنى الأعم، وكأنه (عليه السلام) قد فسر الشك هنا أيضا بان لم يستيقن - كما في صحاح أبواب الخلل - وأكد هذا كله بأنه إنما ينقضه بيقين آخر، وهو ظاهر في أن المراد به أن الذي يقوى على نقض اليقين