الواقع هي الحرمة وقام الطريق على خلافه فتجويز فعله مناقض للحرمة الواقعية.
والجواب الحق هنا أيضا: أن الأحكام الشرعية وغيرها أحكام قانونية وقوانين مجعولة، ولها - بما أنها قوانين وأحكام - مرتبتان: مرتبة الإنشاء الذي ينشأ ويجعل فيها القانون ولا يودع بيد الإجراء، بلحاظ أن الزمان المنظور لإجرائه سنتان بعد ذلك، مثلا. ومرتبة الفعلية التي يجعل فيها القانون بيد الإجراء، بحيث يجب العمل به والحركة على طبقه على من اجتمع شرائط التكليف وحدود موضوعه.
فهاتان المرتبتان قد اختلف فيهما جوهر الحكم، حيث لا يطلب منه في المرتبة الأولى أن يعمل به مع أنه حكم وقانون حقيقة، بخلاف الثانية المطلوب فيها ذلك، ولذلك فالعلم بالحكم الإنشائي لا يؤثر في حق العالم أن يؤاخذ على مخالفته، إذ المفروض أنه لم يحن بعد حين العمل به، بخلاف الحكم الفعلي فإن العالم به يؤاخذ على مخالفته.
وأما مرتبة الاقتضاء المذكور في كلامهم فليس فيها من الحكم أثر، كما أن مرتبة التنجز. لا يكون للحكم فيها حالة جديدة، بل ترتب العقاب على الخلاف من آثار نفس فعلية الحكم إذا قامت حجة إليه على المكلف.
وكيف كان فالأحكام التي بينها النبي والأئمة (عليهم السلام) للأمة الإسلامية إنما هي أحكام فعلية أنشئت وبينت للأمة حتى يعملوا بها، فإذا تخلفت الأمارة عن الواقع فالحكم الواقعي حكم فعلي والأمارة قد أخطأت ولم تصل ولم توصل إليه، ولازمها تجويز مخالفة الحكم الفعلي، وهو مصب الإشكال.
وحله: أن حقيقة الأحكام الشرعية قوانين مجعولة كالقوانين المجعولة في مجالس وضع القوانين العقلائية، ومن الواضح فيها أنها وإن كانت مبتنية على مصالح وملاكات إلا أن حقيقتها ليست إلا مجعولات اعتبارية عقلائية ليس قوامها بإرادة من المقننين متعلقة بالأفعال الموضوعة لها، بل إنها بنفسها قوانين، وإنما إرادة المقنن تتعلق بجعلها ووضعها، لا بالأفعال أو التروك المتعلقة لها، ونفس هذه