فاتهم الواقع، وما كان في مورده ملاك ومصلحة أصلا، والسببية عندهم قطعي البطلان، وهذه الطريقية ليست عندهم بمعنى مجرد حصول الظن بالواقع الذي به قوام الأمارة وجوهرها لكي يقال: إنه حقيقته التكوينية، بل معناها: أن العقلاء يرون من قام عنده الخبر مصيبا للواقع واصلا إليه، وبما أنه واصل إلى الواقع فعليه ترتيب آثار الواقع، كما هو كذلك في القاطع، فهذا المعنى - أي: إصابة الواقع والوصول إليه - هي الطريقية، وهي المجعولة لخبر الواحد وسائر الطرق العقلائية عند العقلاء، والشارع إذا أمضى سيرة العقلاء فقد أمضى هذه الطريقية المجعولة، وهو معنى " مجعولية الطريقية للأمارات " في الشرع، بل إذا أسس الشارع طريقية طريق آخر - لو كان - فقد زاد على مصاديق الطرق بدعا.
وهذا الذي ذكرناه بين جدا، ولا أظن إنكاره من أحد إلا بلسانه، وإلا فقلبه مطمئن بالإيمان به.
وعليه فإذا قامت أمارة معتبرة على حكم أو موضوع: فإن أصابت الواقع فليس هنا إلا متن الواقع ونفس الحكم الواقعي المرتب على موضوعه الواقعي، وإن خالفه فليس من ناحية قيام الأمارة حكم حتى يستلزم ملاكا، وحصل مضادة أو مناقضة بين الحكمين أو الملاكين، أو لزم اجتماع طلب ضدين.
نعم، لا ريب في أن هذه الطريقية تجويز للعمل على طبق الطريق، فربما كان فيه تفويت المصلحة أو الإيقاع في المفسدة، إلا أنه لا بأس به إذا كان في عدم جعلها مفسدة أعظم، ولو كانت هي مفسدة تنفر طباع الناس وانزجارهم عن أصل الدين والشريعة فإنه لا ريب في أن كون الشريعة سهلة غير ضيقة يدعو الناس ويرغبهم في الدخول إليها.
فقد ارتفعت الإشكالات بحذافيرها.
إلا أنه بقي مع ذلك أن يقال: إن الطريقية - كما اعترفت به - تستلزم تجويز الحركة العملية طبق الطريق، وحينئذ فإذا كان الحكم الواقعي هو الوجوب - مثلا - واقتضى الطريق غيره فتجويز تركه مناقض للوجوب الواقعي، كما أنه إذا كان