وهكذا، والمقصود باستصحابها أن يكون وجودها متيقنا مفروضا في حين، يشك في انقطاعه بالمرة بعده، وقد قسموها ثلاثة أقسام، فإن ما يشك فيه تارة نفس الزمان، وأخرى غيره، كالحركة ونحوها، وثالثة الأفعال المقيدة بأحد الأولين.
وفيها إشكال مشترك وإشكال مختص بما إذا كان زمانا.
أما المشترك فهو: أن قوام الاستصحاب وركنه هو الشك في البقاء والاستمرار، وفي الأمور التدريجية لا مجال له، فإن الجزء السابق المتيقن قد انعدم وانقضى، والجزء اللاحق حادث مشكوك مسبوق بالعدم.
وفيه: أن التحقيق أن وجود الأمور التدريجية أيضا وجود شخصي متصل قوامه بسيلانه، فالحركة وجود شخصي اتصلت أجزاؤه، والسيلان داخل في تقوم هذا الوجود لا أن هنا أجزاء لا يتجزى متلاحقة، بل وجود واحد شخصي طبيعة السيلان والجريان، فهو وجود واحد مستمر يكون الشك فيه شكا في البقاء والدوام ومجرى للاستصحاب، وإن ارتاب فيه أحد عقلا - ولا ريب فيه - فلا ينبغي الشك في أن كلا من الزمان والحركة - مثلا - أمر يتحقق عرفا بوجود أول جزء منه ويبقى ما دام جزء منه مستمرا.
وبعبارة أخرى: كما أن العرف يرى زيدا موجودا باقيا ما دام موجودا فهكذا يرى اليوم وحركة اليد - مثلا - باقيين ما لم يجئ الليل ولم تسكن اليد، لا بمعنى أن العرف يرى اليوم - مثلا - مجموع ما بين طلوع الشمس وغروبها ثم يرى هذه المجموعة موجودة بوجود أول أجزائها بل هو يرى اليوم - مثلا - زمان كون الشمس فوق الأفق، فيوجد عند طلوعها ويبقى إلى غروبها، وهكذا الأمر في الحركة والأمور التدريجية الأخرى، وحيث إن الملاك في جريان الاستصحاب وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة بنظر العرف، إذ هو المخاطب بخطاب " لا تنقض " فلا ينبغي الريب في جريانه فيهما.
وبالجملة: فوحدة القضيتين مسلمة عند العرف بلا أي رائحة مسامحة، بل وعند العقل أيضا - كما عرفت - فلا مجال للإشكال أصلا.