وأما الإشكال المختص بالزمان فهو: أن قوام الاستصحاب وركنه هو أن يكون الشك في البقاء فلا مجال له إلا في ما يتصور له بقاء، والبقاء هو وجود الشئ في الزمان الثاني بعد ما كان موجودا في الزمان الأول، فلا محالة لا يتأتى في الزمان، فإنه ليس للزمان زمان حتى يوجد في الزمان الثاني بعد ما وجد في الزمان الأول.
وفيه أولا: أنه لم يؤخذ في شئ من الأخبار - التي هي العمدة من أدلة الاستصحاب - عنوان البقاء حتى يكون جريانه مشروطا بصدقه، فإن عمدة دليله هو مثل قولهم (عليهم السلام): " لا ينقض اليقين بالشك "، وصدقه إنما يتوقف على أن يكون الشك في نفس ما تعلق اليقين به، وهو المعبر عنه باتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة، ولا ريب في أن من كان متيقنا بوجود اليوم ثم شك في غروب الشمس - مثلا - فهو شاك في وجود ما كان متيقنا به، فيتحقق موضوع الأدلة ويجري فيه الاستصحاب.
وثانيا: أنا لا نعقل من البقاء إلا مجرد الدوام والاستمرار، ومن المعلوم عدم توقف صدقه على أن يكون الشئ الباقي واقعا في الزمان، بل يقال: إن الليل أو النهار - مثلا - بعد باق مع فرض استمراره بعد، بل يطلق على الله تعالى أنه الباقي مع علوه عن الزمان.
وعليه فجريان الاستصحاب في الزمان مما لا إشكال فيه، ويترتب عليه ما كان مترتبا على أصل وجود الزمان المستصحب من الحكم الشرعي، وأما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على كون هذا الوقت نهارا - مثلا - فربما يستشكل في إثبات مثله باستصحاب النهار، بأنه: إن أريد استصحابه إثبات أن الوقت الحاضر نهار فهو أصل مثبت ومن قبيل إثبات كرية ماء الحوض باستصحاب وجود الكر فيه.
وإن أريد به إثبات أن العمل المأمور به كالصيام - مثلا - واقع فيه فهو أيضا مثبت.
ولا يبعد حل الإشكال بأن لنا أن نقول: لما لم يكن ريب في اتصال الزمان وعينيته ما كان موجودا لما مضى منه فنقول: إن هذا الزمان كان نهارا قبلا ونشك