استمرارها إلى آخر أزمنة عدم الغليان، فإنها مسلمة قطعية، وإنما الشك في كونها مغياة بالنسبة إلى انتفائها بالغليان، وهو عبارة أخرى عن أنه إذا غلى يحرم فهو استصحاب في جانب الحكم المعلق أو بحكمه، ولنا هنا استصحاب الحلية الفعلية، فإنا بالضرورة نحتمل بقاءها كما كانت قبل الغليان، فهذا الاستصحاب يجري ويعارض ذاك الاستصحاب أو هذين الاستصحابين.
فالتحقيق في الجواب ان يقال: إن قولهم: " لا تنقض اليقين بالشك " تعبد ببقاء اليقين في زمن الشك بالنسبة إلى المتيقن السابق، فالشاك في البقاء محكوم تعبدا بأنه على يقين بالمتيقن السابق، وعليه فإذا شككنا في بقاء تلك القضية التعليقية - أعني قولنا: " هذا الزبيب كان إذا غلى يحرم " - يحكم الاستصحاب بأنا في عالم التعبد على يقين بعد بنفس تلك القضية، ومقتضاه - كما عرفت - التعبد بأنا على يقين بالحرمة الفعلية إذا غلى الزبيب، فمقتضى هذا الاستصحاب ارتفاع الشك في الحلية الفعلية وتبدله بيقين تعبدي بالحرمة، فإن موضوع استصحاب الحل إنما هو الشك في الحلية والحرمة، واليقين التعبدي بالحرمة عبارة أخرى عن ارتفاع ذلك الشك، وهذا معنى حكومة الاستصحاب التعليقي على التنجيزي.
وأما الاستصحاب التنجيزي فليس مقتضاه أزيد من التعبد باليقين بالحلية الفعلية من دون أن يقتضي التعبد باليقين بتلك القضية التعليقية، اللهم إلا على القول بمثبتات الأصول، ولا نقول ولا يقولون بها.
ومنه تعرف أن أحد الاستصحابين رافع تعبدا لموضوع الآخر وحاكم عليه، ولا عكس، فلا محالة يعم أدلة الاستصحاب الاستصحاب الحاكم، ويرتفع تعبدا موضوع الآخر ولا يبقى مجال له، فما نحن فيه يفترق عن مسألة استصحابي بقاء طهارة الماء ونجاسة ما غسل به، فإن الاستصحابين هناك ليس بينهما حكومة، بل إن استصحاب طهارة الماء إنما يثبت موضوع الدليل الاجتهادي القائل: " إن الماء الطاهر يطهر ما غسل به "، فالدليل الاجتهادي ينطبق على الماء، ويحكم بطهارة ما غسل به، ومفاد هذا الدليل الاجتهادي إما علم، وإما بمنزلة العلم، فيكون حاكما أو