الامارة منزلة القطع أو العلم، وتمام الكلام يأتي إن شاء الله في بحث تقدم الأمارات على الاستصحاب.
ثم إنك تعرف مما ذكرنا أن مجرى الاستصحاب هو الأمر الواقعي الذي قامت عليه حجة، حكما كان أو موضوعا، وأما الأحكام الظاهرية المدلول عليها بأدلة الأصول، مثل أصالة الحل والطهارة، وما ثبت بالاستصحاب فحيث إن موضوعها مجرد الشك من أي سبب كان فإذا جرت أصالة الحل أو الطهارة أو استصحابهما، ثم شك في بقائهما للشك في طرو مزيل فعموم أدلتها شامل له حاكم بهما، ولا معنى للالتجاء إلى الاستصحاب أو استصحاب آخر، فإن نفس دليل الثبوت يدل على البقاء، فبقاء ما ثبت كأنه يقيني ولا مجرى معه للاستصحاب.
وعليه فلا وجه لما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره) على ما في فوائد الأصول من أن الملجأ في أمثال تلك الموارد هو الاستصحاب، وأن دليل اعتباره يعم جميع هذه الموارد، فراجع وتدبر.
نعم، إذا كان مفاد أصل مجرد الحكم بالثبوت وحجة عليه ولم يكن موضوعه أمرا مطلقا مستمرا وشك في بقائه فالاستصحاب جار حاكم بالبقاء، وهذا مثل قاعدة الفراغ في مثل الطهارات الثلاث، بناء على كونها أصلا لا أمارة، فإنها إنما تدل على تحقق الطهارة وهي حجة عليه، فإذا شك في بقاء الطهارة فالقاعدة لا تقتضي شيئا، والاستصحاب يجري ويحكم ببقائها.
وبالجملة: فاللازم هو التفصيل في الأصول بين ما كان موضوعه مطلق الشك، أو عدم العلم الصادق في جميع المصاديق ومن جميع النواحي والمناشئ، مثل أصالة الحل والطهارة والاستصحاب، فعموم وإطلاق أدلتها يدل على ثبوت الحل والطهارة وبقاء المستصحب ما دام الشك، وإن عرض شك حادث يحتمل معه زوال المستصحب أو الحلية أو الطهارة، وبين ما كان منها محرزا لمجرد ثبوت الشئ بلا تعرض لبقائه مع الشك الحادث، كقاعدة الفراغ في الطهارات، فبقائها يحتاج إلى الاستصحاب، كما عرفت.