وهو (قدس سره) قد أجاب بهذين الوجهين عن الإشكال الذي نقله للسيد المجاهد عن والده العلامة صاحب الرياض (قدس سرهما) في درسه، وحاصله: أن ركن التحقق السابق هنا منتف، ولا يكفي مجرد قابلية الثبوت في جريان الاستصحاب.
أقول: أما السببية فهي أمر انتزاعي ينتزعه العقل من جعل الشارع الحرمة بعد الغليان وبشرطه، وقد مر في البحث عن الأحكام الوضعية: أن مثلها غير مجعولة.
وكيف كان فاستصحابها لإثبات فعلية الحرمة بعد تحقق سببها من قبيل الاستناد إلى الأصل المثبت.
وأما الحرمة: إن أريد استصحاب نفسها فلا ريب في أنها غير متحققة، كيف؟
وتحققها معلق ومشروط بحدوث الغليان - مثلا - وهو لم يحدث بعد، فإن المشروط بمعنى المعلق على وجود شئ لا ريب في أنه ليس بموجود قبل وجود هذا الشئ الذي هو شرط وجوده، وإلا لكان مناقضا لفرض شرطيته. نعم، مفاد قولنا: " إذا غلى يحرم " معنى له حظ من الوجود في مقابل عدمه، أي في مقابل أن لا يتصف بالحرمة ولو بعد الغليان، لكنه ليس بمعنى أن الحرمة موجودة.
ومنه تعرف أن ما في الكفاية من قوله (قدس سره): (فإن المعلق قبله إنما لا يكون موجودا فعلا، لا أنه لا يكون موجودا أصلا ولو بنحو التعليق) غير متين، فإن الوجود مساوق للفعلية، فما لا فعلية له لا وجود له، والمعلق قبل تحقق المعلق عليه غير موجود.
وعن بعض الأعاظم (قدس سره) - على ما في تقرير بحثه في مقام الإيراد على جواب الشيخ والكفاية - ما حاصله: أن الشك في بقاء الحكم الكلي على ثلاثة أوجه:
فتارة للشك في نسخه، وأخرى لفرض موضوعه خارجا وتبدل بعض حالاته، كما في الشك في بقاء النجاسة للماء المتغير بعد زوال تغيره من قبل نفسه. وثالثة لكون فعلية الحكم على الموضوع مشروطا بشرط، ثم قبل حصول الشرط يفرض تغير في بعض حالات الموضوع، فيشك في فعلية ذاك الحكم إذا حصل ذاك الشرط، كما في مثال العنب الذي صار زبيبا ثم غلى، فاختار (قدس سره) جريان استصحاب