وفي الأحكام المبنية على الضرر نفس الموضوع المساوق للضرر علة ودخيل في حكمه والإلزام به، فإذا كان الضرر علة لثبوت الحكم فلا يعقل أن يكون علة لانتفائه، فبذلك البرهان القطعي تكون القاعدة مختصة بما إذا كان علة ثبوت الحكم عنوان الأفعال الذي ليس في طبيعته ضرر أصلا، فإذا عرض عليه عنوان الضرر انتفى عنه حكمه، ولا إشكال. وهذا الوجه يستفاد من الكفاية. وتبعها العلامة الميرزا (قدس سره) على ما في تقرير بحثه.
أقول: إن هذا الجواب إنما كان تاما لو كانت عبارة القاعدة مثل " رفعت عن أمتي التكاليف إذا كانت ضررية " فإن في مثلها دعوى ظهورها في ما ذكر ولو بمعونة البيان المذكور بمكان من الإمكان، إلا أن المفروض أن عبارة القاعدة هي " لا ضرر... "، وقد عرفت أن مفادها المطابقي نفي جنس الضرر وطبيعته عن حوزة حكومة أحكام الإسلام، وانتفاء طبيعة الضرر عن هذه الحوزة لا يكون إلا بسد باب وجوده وحدوثه في محيط الأحكام، بأن ينهى كل أحد عن الإضرار بغيره، ولا يلزم على أي مكلف عملا يتضرر به، سواء في ذلك ما كان طبيعته ضررية ولم يعرض على طبيعته ما يصيره ضرريا، فإن جميع هذه الأحكام يستفاد انتفاؤها في الشريعة من عبارة القاعدة ولو بدلالة التزامية.
والتحقيق في الجواب: أنه لا يلزم من ثبوت الأحكام التي ذكروها محذور تخصيص الأكثر أصلا، وذلك أن الأحكام المذكورة إما هي أحكام من قبيل المؤاخذات المترتبة على مخالفة أحكام شرعية أخرى كباب الضمانات والكفارات والحدود والقصاص والديات، وإما غير ذلك كوجوب الخمس والجهاد والحج.
أما القسم الأول فهي وإن كانت ضررية على المكلف بها - على تأمل أو منع في الحدود - إلا أن القاعدة لا تقتضي انتفاءها، وذلك لما عرفت أن المستفاد منها أن الأحكام الإلهية شرعت بحيث لا يلزم منها ضرر إذا عمل بها، ويكفي في صدقه أن الشارع الأقدس قد منع ونهى بتاتا عن الإقدام على فعل موجبات هذه الأمور