هذا كله حول الاحتمال الأول في معنى الحديث.
الثاني: ما اختاره الفاضل التوني في عبارته الماضية من أن المراد نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع، وإلا فالضرر غير منفي. انتهى.
ويحتمل في كيفية إرادته أن يكون المراد بلفظة " ضرر " هو خصوص الضرر غير المحكوم بالجبران من باب المجاز في الحذف، فكان الأصل لا ضرر غير محكوم بالتدارك، فحذف الوصف مع أنه مراد. كما يحتمل أن يكون المراد نفي نفس الطبيعة ادعاء وكان حكم الشارع بالتدارك مصححا لهذه الدعوى، كما هو ظاهر كلمات الشيخ الأعظم (قدس سره).
وفيه: أن إرادة المقيد لبا مع أن اللفظ مطلق خلاف الظاهر، لا يصح المصير إليه إلا بالقرينة وهي هنا مفقودة، كما أن ادعاء انتفاء طبيعة الضرر بمجرد حكم الشرع بتداركها وإن كان ممكنا وصحيحا إلا أنه لما كان لفظة " ضرر " الواقعة تلو " لا " التي لنفي الجنس لما كانت بإطلاقها يعم كل ضرر فيكون مفاد الجملة: أن هذه الطبيعة منتفية خارجا، والأخذ بظاهرها يقتضي سد باب تحقق كل فرد منها - كما عرفت - فإرادة خصوص الضرر المتحقق ودعوى أنه بحكم المعدوم خلاف ظاهر هذا الإطلاق جدا.
الثالث: أن يراد من النفي المذكور في الحديث: النهي، فيكون مفاده حرمة الضرر مطلقا، وقد رجحه شيخ الشريعة في رسالته استنادا إلى أنه الشائع الذائع في أمثال هذا الاستعمال، كما في قوله تعالى: * (لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) *.
وفيه: أن شيوع إرادة الحرمة من أمثال العبارة وان كان مسلما إلا أن الظاهر أن تحليل كيفية إرادتها من التركيب: هو أن ظاهر هذا التركيب الإخبار عن أن مدخول " لا " التي لنفي الجنس غير محقق، وحيث إن تحققه تكوينا مفروض فلا محالة يراد به انتفاؤه في حوزة العمل بالحكم القانوني الشرعي، وإذا كان معنى المدخول من أفعال المكلف التي يكون وجودها وعدمها باختياره فالاخبار عنها