سادسها: وهو الحق أن يقال: لا ريب في أن جملة " لا ضرر " جملة خبرية، فمفهومها الإخبار بأن جنس الضرر منتف، إلا أن انتفاءه عن عالم الطبيعة والكون مع أنه خلاف الواقع لوجوده بعلله الطبيعية التي منها علله الإنسانية - لا يناسب الإخبار به لمقام النبوة والإمامة، فلا محالة أن هذا الإخبار مرتبط بما هو من شؤون النبي (صلى الله عليه وآله)، وحيث إنه عام لجميع الأضرار يدل على أنه لا أثر من الضرر أصلا، فلا بد وأن يكون ناظرا إلى محيط القانون والتشريع، بمعنى: أن الحوزة التي هي حوزة حكومة الأحكام والقوانين لا أثر من الضرر فيها وهو لا يكون إلا بأن يسد باب الضرر الآتي من ناحية اختيار المكلفين بتحريم إضرار بعضهم ببعض، وباب الضرر الآتي من ناحية أحكام الشريعة بأن لا يوجب عملا ينشأ منه الضرر، فيدل على أن الأحكام التي ينشأ منه الضرر منتفية، سواء كانت سببا له بدعوتها إلى إيجاد ما فيه الضرر، أو كانت ترخيصا للمكلف ربما تدعوه إرادته الناشئة عن أهوائه النفسية إليه.
والظاهر أنه ليس في هذا الذي ذكرناه ادعاء ومجاز، وإنما لوحظ وعاء العمل بالقانون وحكم بأنه لا ضرر فيه أصلا ولحاظ هذا الوعاء لازم، بقرينة أن الإخبار عن عالم الوجود والكون لا يناسب النبي، وفي هذا الوعاء لا أثر من الضرر حقيقة وبلا ادعاء.
وقريب منه: ما عن شيخ المشايخ المحقق الحائري (قدس سره) وإن اختلف النقل عنه، فنقل سيدنا الأستاذ (قدس سره) في رسالة اللا ضرر أنه معنى حقيقي غير ادعائي، ونقل بعض أعاظم العصر دام ظله في حاشية الدرر أنه مبني على الادعاء. وكيف كان فما نقلا عنه (قدس سرهم) من دلالة الحديث على أن الضرر الموجود أيضا متدارك منظور فيه، وذلك أن مفاد الحديث أن الضرر غير موجود من رأس، ويكفي له سد باب وجوده بتحريم إضرار الناس بعضهم ببعض، وبانتفاء تشريع ما يلزم من العمل به ضرر، وحينئذ ففرض عصيان أحكامه فرض وأرضية لا يناسب مبنى هذا الإخبار، كما لا يخفى، والله العالم وهو العاصم.