فلا محالة يكون راجعا إلى الإخبار عن انتفائه في عالم القانون والأحكام، وحيث إن للضرر المنفي إطلاقا واسعا ينفي بالحديث أي ضرر كان فلا محالة يعم سعة النفي الضرر مطلقا، سواء فيه ما كان من الرعية بعضهم ببعض، أو من التكاليف الإلهية، ومعه فقهرا يكون الحديث حكما واسعا يشمل سعته جميع الموارد، وهو لا يكون إلا حكما إلهيا، لا حكما سلطانيا، ويكون مآل كلامه (صلى الله عليه وآله) الاستناد إلى حكم كلي إلهي استند إليه في مقام رفع ظلم الظالم والدفاع عن المظلوم. هذا إذا كان اللحظ معطوفا إلى ما روى من طرقنا.
وأما إذا لاحظنا النقل المروي عن عبادة بن الصامت فنقول: إن منشأ الاختلاف والخصومة بين الناس قد يكون الجهل والغفلة عن حكم الله الكلي، وبيان مثل هذا الحكم الكلي من القاضي يكون رافعا للخصومة بينهم وفاصلا لها، ولذلك يصح إسناد القضاء بحكم إلهي كلي إلى الإمام أو الولي المعصوم (عليه السلام) بل القاضي غير المعصوم في مقام القضاء، وحينئذ فمجرد تعلق القضاء به لا يكون دليلا على إعمال جهة الولاية في نفس ما قضى به، بل إذا راجعنا الحكم الذي حكم به في مقام القضاء، ووجدناه كليا شاملا لجميع الموارد نعلم أنه حكم كلي إلهي، كما هو شأن الأحكام الإلهية فليس قضاءا ولا حكما سلطانيا، ذلك الحكم الذي ليس له تلك السعة وذلك الشمول فالظاهر ما فهمه القوم من الأخذ بعموم الحديث، وأنه حكم كلي إلهي، والله العالم وهو العاصم.
فقد تلخص أن مفاد قوله: " لا ضرر " الإخبار عن عدم تحقق الضرر في محيط حكومة القانون الإسلامي، وهو إنما يكون بتحريم إضرار الناس بعضهم ببعض، وبأن لا يكون هنا إلزام شرعي بما يوجب الضرر.
كما أن قوله: " لا ضرار " ظاهر في الإخبار بنفي الإضرار الظاهر في إضرار أحد بآخر، والإخبار عنه إنما يكون بتحريم إضرار كل بالآخر، وهو إما تأكيد لبعض مفاد الفقرة الأولى، وإما قرينة على إرادة نفي خصوص الضرر الناشئ عن أحكام الله الإلزامية، والأمر سهل.