ففي حديث " لا ضرر ولا ضرار " إن لاحظنا النقل المروي بطرق العامة فقد روي بطرقهم عن عبادة بن الصامت أنه (صلى الله عليه وآله) " قضى أن لا ضرر ولا ضرار "، والقضاء له ظهور في أن هذا الحكم قد صدر عنه لا بما أنه نبي مخبر عن الله تعالى، فيدور بين جهة السلطنة والقضاء، وحيث إن المقام لم يكن مقام القضاء فلا محالة قد صدر عنه (صلى الله عليه وآله) بما أنه سلطان المسلمين وولي أمرهم.
كما أنه إذا لاحظنا نقله بطرقه المروية في مجاميعنا الحديثية فالمروي عنه (صلى الله عليه وآله) وإن لم يشتمل صريحا على لفظ " القضاء " إلا أنه لا ريب في أنه قد صدر عنه في مقام رفع ظلم سمرة الفاسق والدفاع عن المظلوم، وهو شأن ولي أمر المسلمين وسلطانهم فليس مقام الدفاع عن المظلوم مقام بيان الأحكام الواقعية وحدودها، بل مقام القيام بصدد رفع الظلم عن المظلوم، فإذا قال: " لا ضرر ولا ضرار " فلا محالة يكون مفاده صدور حكم عنه (صلى الله عليه وآله) بما أنه سلطان، وأنه ليس لأحد في حوزة حكومتي وسلطاني أن يضر غيره، فمفاد الحديث تحريم سلطاني لا حكم إلهي، والاستدلال للأمر بالقلع - وهو أمر حكومي - بكبرى لا ضرر ولا ضرار من باب الاستدلال بكبرى سلطانية للتطبيق على صغراها. هذا ملخص ما أفاده قدس الله سره الشريف.
أقول: إن فصل الخصومة بين الرعية والدفاع عن المظلومين منهم وإن كان بإعمال الولاية منهم (عليهم السلام) إلا أنه لا ريب في أن مبناه هو الحقوق المجعولة للناس في الشريعة الإلهية في قالب أحكام الإسلام الإلهية، فمجرد كونه في مقام الدفاع عن المظلوم أو فصل الخصومة ليس قرينة على أن كل ما يقوله ويستند إليه في هذا المقام فهو حكم وأمر حكومي سلطاني، بل لابد وأن يستفاد ذلك من قرينة أخرى.
ونحن إذا راجعنا الجملة المروية عنه (صلى الله عليه وآله) " لا ضرر ولا ضرار " نراها أنها تنفي وجود الضرر بإطلاقه، وأنه لا أثر ولا خبر عن الضرر أصلا، وبعد ما لم يكن هذا النفي راجعا إلى الإخبار عن انتفائه في عالم الطبيعة والتكوين - كما عرفت -