وأما خبر الجهر والإخفات فهو وإن تضمن قوله (عليه السلام): " وقد تمت صلاته " إلا أن المراد به بقرينة صدره مجرد عدم انتقاض الصلاة وعدم احتياجها إلى الإعادة، وإليك لفظ تمام الحديث الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل جهر في ما لا ينبغي الإجهار فيه، وأخفى في ما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: " أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته، وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته " (1) فإن نفس التعبير في قوله: " لا يدري " ظاهر في أن هنا حكما واقعا، أعني وجوب الجهر أو الإخفات، والمكلف لا يدري، وعنه التعبير في الصدر بما لا ينبغي الإجهار فيه، وما لا ينبغي الإخفاء فيه، فإذا كان المفروض ثبوت هذا الحكم في الواقع فلا محالة لا يراد من قوله: " تمت صلاته " إلا ما يقابل قوله: " نقض صلاته "، يعني أن صلاته ليست منقوضة محتاجة إلى الإعادة.
ثم إن أساس الوجهين الأولين من الإيرادات الثلاثة مبني على أن يكون الحكم الواقعي هنا منجزا يستحق العقاب على مخالفته، وليس في شئ من أخبار الباب إشارة إليه، كما هو واضح للناظر فيها. نعم، بعدما عرفت من أن الحق عدم المنافاة بين تنجز التكليف بالواقع، وبين إسقاط الواجب بالمأتي به، فاللازم في استحقاق عقاب الجاهل التارك للفحص في مسألتنا هو المشي على طبق القواعد، وقد مر أن مقتضى القاعدة: أن الجاهل للحكم التارك للفحص العامل بما يطابق البراءة يستحق العقاب على مخالفة تكليف واقعي يظفر بالفحص عليه، كما في مسألة القصر والتمام والإجهار والإخفات. والله العالم.
تنبيه:
إن الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة على وجوب التعلم ولزوم الفحص كما