الوجوب بدوية.
ولا يجوز الرجوع إلى حديث الرفع بعنوان أن وجوب الجزء المشكوك مما لا يعلمون، كما لا يجوز نفي وجوبه بالحديث بعنوان أنه مما لا يطيقون في ما إذا اقتضى الدليل جزئيته أو شرطيته المطلقة، فإن مفاد الحديث رفع ما هو ثقيل على عاتق الأمة عنهم، وهنا لا يوجب الشرطية أو الجزئية المطلقة ثقلا، بل حيث إنه عاجز عن المشروط به أو المركب عنه فيسقط الوجوب عنه، فلا محالة رفع الشرطية والجزئية يستلزم ثقلا، فلا يجري حديث الرفع، كما لا يخفى.
وحينئذ تصل نوبة الرجوع إلى الاستصحاب، وهو محتاج إلى يقين سابق، فلا محالة لا يجري إلا في ما طرأ العجز أثناء الوقت، فإذا طرأ أمكن أن يقال: إن وجوب هذا الجزء أو تقيد الواجب بهذا الشرط كان يقينيا، ولو كان من باب انبساط الوجوب النفسي عليه، والآن يشك في بقائه فيحكم به.
وهذا التقريب ليس عليه غبار إلا أن نمنع الاستصحاب في الشبهات الحكمية، أو نقول بأن وجوب المركب منه والمشروط به يقيني العدم في حال العجز عن هذا الشئ، لا لأن التكاليف مشروطة عقلا بالقدرة على امتثالها، فإن العقل لا يحكم باشتراط التكاليف القانونية بالقدرة، بل لما دل من الأدلة السمعية على هذا الاشتراط، منها قوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (1) وما يعجز عنه ليس في وسعها، فالركن الثاني من الاستصحاب - أعني احتمال البقاء - غير متحقق، لقيام الدليل على ارتفاعه، فلا يجري الاستصحاب، فتدبر جيدا واغتنم.
ثم إنه قد يقال بوجوب الباقي المقدور عليه استنادا إلى النبوي: " إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " (2) والعلويين: " الميسور لا يسقط بالمعسور " (3) و " ما لا يدرك كله لا يترك كله " (4).
وهذه الروايات مراسيل لا يصح الاعتماد عليها، ومع الغض عنه فلا يبعد