تعلمت حتى تعمل؟ " عليه.
وأما لو لم يكن عليه دلالة أو كان الدليل نافيا له فالظاهر أن التكليف الواقعي لا يتنجز حينئذ وذلك أن ما يتصور أن يكون منجزا له: إما حكم العقلاء، وإما الأدلة الشرعية، وشئ منهما لا يصح منجزيته.
أما العقلاء فلأن الحكم إنما يتنجز عندهم بعد تمامية البيان، وهاهنا لم يتم البيان من ناحية المولى، فإنه إنما يتم البيان بقيام دليل معتبر ممكن الوصول عليه، وإلا فالعقاب عليه عقاب على ما لا بيان عليه، وهو قبيح.
وأما الأدلة الشرعية فإن لسانها الأولي الحث على التعلم، وإن الجهل ليس عذرا مع إمكان التعلم، ولازمه أن يفحص المكلف لكي يحصل له العلم، فلا يجوز أن يستند إلى أدلة البراءة قبل أن يفحص، إلا أن من المعلوم أن وجوب هذا التعلم - بما له من اللوازم - إنما هو في ما أمكن تعلم الحكم الواقعي، وأما إذا كان لا طريق إلى معرفته بل ربما كان مقتضى الطريق عدمه فليس هنا شئ يجب تعلمه، غاية الأمر أنه حيث يحتمل وجود هذا الحكم فعليه أن يفحص لكي يظهر له عدمه، ويعلم أن هنا ليس شيئا واجب التعلم، فإذا فحص وعلم بعدم حكم بهذه الأوصاف علم أن التكليف بوجوب التعلم بالنسبة إلى هذا الحكم منتف، لعدم طريق إلى تعلمه.
وبالجملة: إذا كان لا دليل على هذا الحكم الواقعي فلا يجب تعلمه، لعدم إمكانه، ومعه فلا دليل على تنجز ذاك الحكم الواقعي الذي لا دليل عليه. وبعبارة أخرى: دليل التنجيز هنا وجوب تعلمه، فإذا لم يجب لعدم إمكانه فلا وجه لتنجزه.
فتحصل: أن هذا المورد مجرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، ومصداق لما لا يعلمون، فيشمله حديث الرفع. نعم، لا يكون شئ منهما حجة قبل الفحص، لاحتمال وجود دليل معتبر عليه، فإذا فحص ولم يكن دليل علم أنه من صغريات القاعدة والحديث. فالمكلف في مثله محكوم بأن عقابه قبيح، لعدم تمامية البيان، وهو مشمول لإطلاق حديث الرفع، وإن كان لا يعلمه هو نفسه.