أما في البراءة العقلية فلأن مستندها حكم العقلاء بقبح العقاب، ولا شك أن البيان الذي هو غاية له إنما هو المتعارف منه، الصادق بوجود الدليل عليه في الكتب التي بأيدينا، فلا يحرز موضوعه قبل الفحص، ويكون الاستناد إليه قبله من قبيل الرجوع إلى العام في شبهته المصداقية.
وأما في البراءة الشرعية فما كان منها بمضمون حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، نظير قوله تعالى: * (ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * جرى فيها ما عرفت في حكم العقل حرفا بحرف، وإنما الكلام في ما كان دالا على البراءة، وعدم العقاب على ما لم يعلم من التكليف، كما في قوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن أمتي.... ما لا يعلمون " فإنه لا ينبغي الريب في صدق عنوان " ما لا يعلمون " على التكاليف المجهولة قبل الفحص، فإنها لو كانت مجعولة في الواقع فلا شبهة في أنها بعد للمكلف مجهولة غير معلومة.
وما عن سيدنا الأستاذ (قدس سره) من أن المراد بما لا يعلمون: ما لا حجة عليه، ولذا كانت أدلة الأمارات والاستصحاب واردة على حديث الرفع، وأن إرادة الحجة من مادة العلم أمر شائع في الكتاب والسنة، وعليه فحيث إن وجود الدليل على التكليف في ما بأيدينا من القرآن والمجاميع الروائية حجة علينا ولو قبل الفحص، فالتكليف المشكوك قبل الفحص حيث نحتمل وجود دليل عليه فنحتمل خروجه عن عنوان ما لا يعلمون، ويكون التمسك لرفعه بالحديث رجوعا إلى العام في شبهته المصداقية.
فهو مما لا يمكننا تصديقه، وذلك أن العلم المذكور في الكتاب والسنة وإن كان لا يراد به خصوص القطع إلا أنه لا يراد به أيضا مطلق الحجة، فإن عنوان الحجة يصدق على بعض الاحتمالات، كما في أطراف العلم الإجمالي، أو الاحتمال الذي نص المولى على لزوم الاحتياط فيه، لكنه لا ينبغي الشك في عدم صدق العلم عليه، فإن كلا من طرفي العلم الإجمالي في الشبهة الحكمية مما لم يعلم حرمته أو وجوبه، ومورد الاحتياط المفروض أيضا لم يعلم فيه حكم الله