إن قلت - كما في تقريرات بعض الأعاظم (قدس سره) -: إن العلم الإجمالي بالأحكام الثابتة في الشريعة يوجب تنجز تلك الأحكام على ما هي عليها، إلا أن ينحل العلم الإجمالي بالفحص، والعلم بمقدار من الأحكام يمكن انطباق المعلوم بالإجمال عليه، ومع عدم الفحص يلزمه الاحتياط بفعل كل ما يحتمل وجوبه وترك كل ما يحتمل حرمته، فلا قبح في عقاب التارك للاحتياط والفحص معا.
قلت: ذاك العلم الإجمالي الكبير ينحل - كما عرفت - بعلم إجمالي صغير بوجود أحكام واقعية في دائرة موارد الأدلة التي يعثر عليها بالفحص، وإلا كان اللازم أن يحتاط حتى بعد الفحص وعدم العثور على الدليل، فإذا كان المفروض عدم قيام الدليل على ثبوت تكليف إلزامي في مورد - كما هو المفروض - فلا محالة يكون خارجا عن أطراف ذاك العلم الإجمالي الصغير، داخلا في عموم " ما لا يعلمون " ومصداقا لقاعدة قبح العقاب، إلا أن المكلف لا يعلم بهذا الدخول والمصداقية حين العمل، مع أنه مصداق لهما واقعا، ومجرى لقبح العقاب على التكليف الواقعي، وربما ينكشف أنه كان كذلك بعد أن فحص ولم يعثر على دليل، فحينئذ يعلم بأنه كان داخلا في قاعدة القبح ومجرى لحديث الرفع من أول الأمر، كما لا يخفى.
إن قلت: إن الأحكام والوظائف المجعولة في مجاري الأصول إنما جعلت لأن تكون عذرا للجاهل عند المخالفة ومنجزا للواقع عند الإصابة - كما في الأصول المحرزة - والمعذرية كالمنجزية متقومة بالالتفات والعلم بهذه الوظيفة فبطبع الحال لا مجال لها مع الجهل والشك في كون المورد مصداقا للأصل أم لا؟
فلا محالة لا تجري قاعدة القبح، ولا حديث الرفع إلا بعد الفحص وعدم الظفر، لا حتى بالنسبة لما قبله، فراجع ما أفاده المحقق الخراساني في تعليقته على الفرائد عند البحث عن اعتبار الشك الفعلي في جريان الاستصحاب (1).