أنه المتيقن من مفاد حديث الرفع في الموارد الستة، إلا أنه قد وردت أخبار خاصة تدل على ارتفاع أصل التكليف عما اضطر إليه.
ففي موثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المريض، هل تمسك المرأة شيئا فيسجد عليه؟ فقال: لا، " إلا أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها، وليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه " (1).
فإن ظاهره - كما ترى - ثبوت الحلية الواقعية مكان الحرمة الواقعية إذا اضطر المكلف، ولا وجه ولا داعي إلى حمله على مجرد الترخيص مع بقاء أصل الحرمة، فإنه خلاف الظهور جدا، فتدل الموثقة على وروده التخصيص أو التقييد في الأدلة المثبتة للأحكام الالزامية، واستثناء موارد الاضطرار عنها.
ومثلها بعينه ذيل موثقة سماعة التي لا يضرها الإضمار (2) فراجع.
إذا عرفت هذا فحدوث الاضطرار: إما أن يكون قبل تعلق التكليف، وإما أن يكون مقارنا لتعلقه، وإما أن يكون بعده. وعلى الثالث: فإما أن يعلم بالتكليف قبل الاضطرار، وإما أن يعلم به مقارنا له، أو بعده. وفي جميع الصور: إما أن يكون الاضطرار إلى طرف معين، وإما ان يكون إلى غير معين.
فأما إذا كان الاضطرار قبل التكليف أو معه، فإن كان الاضطرار إلى طرف معين فلا تكليف فيه قطعا، إما لأن المعلوم بالإجمال لم يتحقق فيه بل في الطرف الآخر، وإما لأن كونه مضطرا إليه أوجب ارتفاع حرمته والحكم عليه بالحلية الواقعية، وأما الطرف الآخر فهو مشكوك الحرمة أو الوجوب، شكا بدويا تجري البراءة عنه.
ومثله الأمر إذا كان الاضطرار إلى غير المعين، بل إلى أحدهما أيا كان، وذلك أنه إذا اضطر إلى ارتكاب أحدهما الغير المعين فاختار أحدهما وارتكبه لرفع اضطراره فلا شك أن ارتكابه له جائز، وأنه مصداق لما اضطر إليه، كما يشهد له