لأداني الناس الأجنبيين عنه بالمرة.
ووجه عدم وجوب الاحتياط على ما أفاده المشايخ (قدس سرهم): أن من شرط حكم العقل بفعلية التكليف وتنجزه - في أطراف العلم الإجمالي - أن يكون التكليف المعلوم بالإجمال بحيث لو تحقق في أي الأطراف كان فعليا، فلو كان لو وجد في بعضها غير فعلي لجرى فيه أدلة البراءة في سائر الأطراف، ومن شرائط فعلية الحرمة: أن يكون متعلقها موردا للابتلاء، لحكم العقل بداهة باستهجان توجيه الخطاب الفعلي بالنسبة إلى خصوص ما كان خارجا عن محل ابتلاء المكلف.
أقول: إن الاستهجان المذكور مسلم إذا كان التكليف متعرضا لخصوص المورد الخارج عن محل الابتلاء، سواء جعلنا الأحكام الشرعية بمنزلة خطابات شخصية - كما هو ظاهر القوم - أو جعلناها قوانين مجعولة، كما هو التحقيق، بداهة أن تعرض المقنن لجعل قانون الحرمة بالنسبة إلى خصوص الخمر الموجودة في البلاد النائية عن المكلف جدا مستهجن قطعا. وأما جعل القانون على عنوان مطلق أو عام شامل لأي خمر كانت - مثلا - فلا استهجان فيه أصلا، وذلك أن المطلق أو العام لا تعرض له إلا لما يحكي عنه عنوان المطلق والعام، ولا يتعرض للخصوصيات المكتنفة بالأفراد أصلا، فإذا قال: " حرمت عليكم الخمر أو كل خمر " فإنما جعل هذا الحكم القانوني على طبيعة الخمر، أو أفرادها بما أنها خمر أو مصداق للخمر، بلا نظر إلى أية خصوصية لا تخلو - لا محالة - الأفراد عنها، فلا يرى الحاكم ولا المقنن خصوصيات الفرد أصلا، بل حكمه وقانونه يجري ويتعلق بالخمر بما أنها خمر.
وحينئذ فالخمر القريبة من المكلف الموجودة في بيته خمر فلا محالة أنها حرام بما أنها خمر، وكذلك الخمر البعيدة عنه كل البعد أيضا خمر، فهي أيضا حرام، لشمول قوله: " حرمت عليكم الخمر " لها أيضا، وإذا راجعنا وجداننا لا نرى أي استهجان في شمول العموم، ولا حاجة إلى إيراد تخصيص في الخطابات الفعلية القانونية أصلا. هذا.