العقل بحرمة مثل هذه المخالفة القطعية، ويكون الرجوع إلى أصالة البراءة فيها بلا مانع.
هذا كله في ما إذا تساوى الوجوب والحرمة في الأهمية، أو احتمل أهمية كل منهما.
وأما إذا علم أو احتمل أن أحدهما بالخصوص - لو كان هو المجعول - أهم من الآخر، فهاهنا قد يقال بأن العقل يحكم بتنجز خصوص الحكم الأهم أو محتمل الأهمية، كما يظهر من ملاحظة أمثاله، مثل ما إذا دار الأمر بين إنقاذ ولد المولى والأجنبي عنه، أو بين محتمل الولدية له والأجنبي فإن الاشتغال بإنقاذ الأجنبي لا يعد عذرا مقبولا لترك إنقاذ ابنه، وعليه فلا يصح إجراء البراءة عن معلوم الأهمية أو محتملها.
وفيه أيضا: أن هذا الحكم العقلي إنما هو في ما علم أصل التكليف، لا في مثل ما نحن فيه مما لم يعلم أصل التكليف الأهم أو محتمل الأهمية، فإن مثل حديث الرفع يمنع عن أصل تنجزه مهما كان أو أهم.
ومنه تعرف الكلام في ما إذا كان احتمال جعل أحد التكليفين أقوى من الآخر إشكالا وجوابا.
هذا كله في ما لم يكن كلاهما ولا أحدهما بالخصوص تعبديا.
وأما إذا علم بأن كلاهما تعبديان أو أحدهما المعين تعبدي والآخر توصلي فهنا أيضا وإن لم يمكن الموافقة القطعية إلا أنه متمكن من المخالفة القطعية بأن يأتي بما هو عبادي - على فرض تعلق التكليف به - لا بقصد القربة، وعليه فإن قلنا بتنجز التكليف بهذه المرتبة فلا يجري أصل البراءة، لكونه ترخيصا في ترك هذه المرتبة أيضا، فلا محالة يكون مجرى أصالة التخيير. وأما إذا لم نقل بهذه المرتبة من التنجز هنا بناء على أن الامتثال القطعي إذا لم يجب لعدم إمكانه فلا محالة لا تنجز للتكليف لو كان في طرف لا يمتثله، ووجوده في ما يأتي به مشكوك تجري فيه البراءة، فيكون الأصل المتبع في جميع صور دوران الأمر بين وجوب