وهنا وجه سادس أبداه بعض أفاضل حضار البحث، وهو: أن إطلاق الأدلة منصرف عما إذا علم جنس الإلزام.
والجواب: منع الانصراف، فإن تمام الموضوع للحكم بالرفع عنوان " ما لا يعلمون " وهو موجود هاهنا، فالجهل بالحكم الواقعي منشأ الرفع، وهو متحقق في كلا الطرفين، فيجري فيهما أثره، أعني رفعه وقد تحقق أن الإطلاق رفض القيود، وأنه لا نظر في المطلقات إلا إلى نفس معنى المطلق، فلا وجه للانصراف أصلا.
فقد تحصل أن لا مانع عن جريان أدلة البراءة الشرعية وإن كان لا يجري حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، ومعه فلا مجال لأصالة التخيير. والله العالم.
هذا تمام الكلام في ما إذا كان مورد التكليف قضية واحدة وواقعة شخصية.
وأما فيما له تكرر - كأن علم أن إكرام العالم الفاسق إما حرام وإما واجب - فمقتضى التحقيق هنا أيضا إجراء البراءة الشرعية، لعين ما عرفت من الكلام حرفا بحرف.
لكنه قد يقال: إن العلم الإجمالي هنا وإن لم يؤثر في وجوب الموافقة القطعية لعدم إمكانها إلا أنه لا بأس بتأثيره في حرمة المخالفة القطعية فيصير الإلزام الواقعي منجزا بهذه المرتبة، فيجب رعايتها بأن يلتزم في المورد الثاني والى الأبد بنفس ما اختاره من الفعل أو الترك في الوقعة الأولى، وإلا لزم العلم بالمخالفة في إحدى الوقعتين، وقد عرفت أن المخالفة القطعية محرمة، وعليه فلا يمكن إجراء البراءة عن كليهما، لاستلزامه تخيير المكلف بين الفعل والترك في جميع الوقائع، وهو خلاف حكم العقل المذكور.
وفيه: أنه إنما يسلم حكم العقل بحرمة المخالفة القطعية في ما إذا كان هنا تكليف واحد لا يترتب على مخالفة الطرف المحتمل التكليف سوى القطع بالمخالفة للتكليف الذي في البين، وهذا بخلاف ما نحن فيه مما يكون التكليف متعددا بتعدد الوقائع، فكما يترتب على اختيار خلاف ما اختاره في الوقعة الأولى القطع بالمخالفة فهكذا يترتب عليه القطع بالامتثال والموافقة أيضا، فلا يحكم