مصداق واحد وكان كلاهما توصليا متساويا في الأهمية وفي احتمال الثبوت مع الآخر، فهل الحكم فيه هو البراءة أو التخيير؟
والحق أنه مجرى البراءة الشرعية، دون العقلية، ودون التخيير.
أما عدم جريان البراءة العقلية - أعني قبح العقاب بلا بيان - فلأن المكلف قد علم بجنس الإلزام هنا وإن لم يعلم نوعه، والعلم بالجنس كاف في تحقق البيان الذي هو غاية البراءة العقلية ولذلك إذا علم المكلف بأنه إما هذا المائع الخاص خمر يحرم شربه، وإما ذاك المائع الآخر ماء يجب شربه لأنه قد حلف شربه، فلا ينبغي الشبهة في وجوب الاحتياط عليه بترك شرب هذا وفعل شرب ذاك، وليس هذا إلا لأن العلم بجنس الإلزام كاف في ارتفاع موضوع البراءة العقلية.
وأما جريان البراءة الشرعية فلأن قوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن أمتي... ما لا يعلمون " يعم كلا من الحكمين، فإنك قد عرفت أن المرفوع بهذا الحديث هو ما كان وجوده ثقلا على الأمة، والحرمة أو الوجوب لا شك في ثقلهما على الأمة. كما أن كل واحد منهما مصداق لما لا يعلمون، إذ المفروض أن الحرمة نفسها غير معلومة، والوجوب نفسه غير معلوم، والمجعول في الشرع والموجود فيه هو خصوص الوجوب أو الحرمة أو الاستحباب مثلا، لا الجامع بين اثنين منهما أو أزيد، والعلم إجمالا بمجعولية أحدهما ليس علما بمجعولية هذا، ولا علما بمجعولية ذاك، كما لا يخفى، فإطلاق الموصول يعم كلا من المحتملين ويحكم برفع كليهما، إلا أن من المعلوم أن رفع الحكم الغير المعلوم بعد اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل رفع ادعائي حقيقته رفع المؤاخذة عليه ورفع سائر الآثار الاخر، مع بقائه على ما هو عليه من الفعلية، كما مر التنبيه عليه والتوضيح له، فتذكر.
وهكذا الكلام في دلالة حديث الحجب والسعة وغيرهما من أدلة البراءة في الشبهات الحكمية.
وأما أصالة الإباحة أو الحل المستندة إلى مثل قوله (عليه السلام): " كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال... إلى آخره ". وقوله (عليه السلام) في خبر مسعدة بن صدقه: " كل