إلا أنه يرد عليهما: أن مورد حكم العقل بالتخيير إنما هو خصوص ما إذا كان التكليف - مع قطع النظر عن الحكم العقلي بالتخيير - منجزا، وفي ما نحن فيه تجري أصالة البراءة عن التكليفين كما عرفت، فكما أنه لا مجال للتخيير العقلي في ما إذا شك أن إكرام العالم الفاسق هل هو واجب أو حرام أو مستحب؟ بل هو مجرى أصل البراءة لا غير فهكذا في ما نحن فيه.
رابعها: أن إجراء البراءة عن كلا الحكمين مستلزم لطرح كليهما، فيلزم المخالفة الالتزامية.
وفيه أيضا: ما قد عرفت من أن إجراء البراءة لا يستلزم أزيد من نفي المؤاخذة عن مخالفة الحكم الواقعي، فيجتمع مع وجود الحكم الواقعي، وإنما كان يستلزم طرحه لو كان في معنى نفي الحكم عن الواقع ونفس الأمر، كما في موارد التخصيص، ومن البديهي أنه ليس كذلك، وعليه فبعد جريانها فالحكم الواقعي على ما هو عليه.
وأما مسألة الموافقة أو المخالفة الالتزامية فقد مضى البحث عنها في مباحث القطع، فتذكر.
خامسها: أن يقال: إن المستفاد من أخبار العلاج: حكمها بالتخيير فيما كان الخبران معارضين في الحرمة والوجوب أن ملاك هذا التخيير ومناطه مجرد أن كلا من الخبرين منشأ لإحداث احتمال حكم إلزامي، وهذا الملاك موجود هنا فيجب القول بالتخيير، وأن يأخذ إما باحتمال الحرمة ويراه حراما، وإما باحتمال الوجوب ويراه واجبا، ومعه فلا مجال لأصل البراءة الشرعية كما هنا.
وفيه: أن مقتضى القاعدة هو تساقط الخبرين اللذين حجيتهما بمعنى طريقيتهما إلى الواقع، فمفاد أخبار العلاج حكم على خلاف القاعدة الأولية، ويحتمل فيه قويا أن يكون الملاك فيه التسليم للرواية الناقلة لقول المعصوم (عليه السلام).
بما هي كذلك، ومعه فلا يصح إلغاء الخصوصية عنها وإجراء حكم التخيير في ما نحن فيه.