شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه " فالقول بها هنا مشكل، لما مر من احتمال اختصاص أدلتها بالشبهات الموضوعية، فلا تجري فيما كان هذا الواحد المتيقن مشكوكا حكمه الكلي، مضافا إلى أن دعوى ظهور أدلتها في ما كان طرف احتمال الحرمة هو احتمال الحل والإباحة لا الوجوب غير بعيدة.
وبالجملة: فعموم أدلة البراءة الشرعية الجارية في الشبهات الحكمية شامل لما نحن فيه. إلا أنه قد يستشكل جريانها بأحد وجوه:
الأول: أن الحكم برفع كليهما يناقض العلم بثبوت أحدهما واقعا.
والجواب: أن رفع الحكم المجهول ليس إلا في قوة رفع المؤاخذة عليه، ولا منافاة بين وجود الحكم الواقعي في مرتبة الفعلية وبين رفع المؤاخذة عليه شرعا، كما حققناه تبعا للمشايخ في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، فرفع كلا الوجوب والحرمة - إذا كان كلاهما مشمول حديث الرفع مثلا - لا يقتضي ارتفاع وجود شئ منهما في نفس الأمر، حتى يتوهم أنه يناقض العلم بثبوت أحدهما.
ثانيها: أن رتبة أصالة الحل غير منحفظة في الدوران بين المحذورين، فإن معنى حلية الفعل هو الترخيص في الفعل والترك كليهما، وبالعكس، فمفاد أصالة الحل بمدلولها المطابقي يناقض نفس القدر المشترك المعلوم بالإجمال، وهو جنس الإلزام، فراجع فوائد الأصول (1).
وفيه أولا: أنه مختص بأصالة الإباحة والحل، ولا يجري في أصالة البراءة الشرعية الثابتة بمثل حديث الرفع.
وثانيا: أن هذه الحلية حلية ظاهرية وحكم ظاهري، والحكم الظاهري يجتمع مع الحكم الواقعي ولا ينافيه، فقوله (عليه السلام): " كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه " يدل بالوضوح على أن هذا الشئ ربما كان حراما وأنت لا تعلمه، فهو مع أنه حرام واقعا إلا أنه ما لم تعلم بالحرمة فهو لك حلال، فالحلية المدلول