التكليف لعله مما كبا فيه الجواد، فإنه (قدس سره) ممن قد أوضح فعلية التكاليف في موارد الجهل بها، وأن الجهل ونحوه من قبيل العذر المقبول عن المكلف في مخالفته.
وكيف كان فلا ينبغي الريب في أن العلم الإجمالي بيان تام عند العقلاء، لا يجوز معه إجراء قاعدة قبح العقاب بلا بيان، لا بالنسبة إلى المخالفة القطعية ولا الاحتمالية، ولو كان كلام فإنما هو في إمكان الترخيص في الخلاف عقلا وثبوتا، وعلى تقدير الإمكان فهل دل دليل على هذا الترخيص إثباتا؟
فنقول: أما مقام الثبوت فقد شاع في كلمات الأعاظم، الشيخ الأعظم ومن بعده (قدس سرهم): أن ترخيص الاقتحام في جميع أطراف العلم إذن في المعصية، وهو قبيح لا يمكن الإقدام عليه من الشارع الأقدس تبارك وتعالى. لكنك خبير بأن منشأ هذا الاستقباح ليس مجرد وجود الحكم الفعلي الواقعي، فإنه ربما كان الحكم الواقعي موجودا في مورد الشك وقد رخص الشارع في خلافه، كما يدل عليه مثل قولهم (عليهم السلام): " كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه "، بل منشأه كما صرحوا به أن العلم الإجمالي به موجب لحسن العقاب عليه فيصير به منجزا ويكون مخالفته معصية فعلية، والاذن في المعصية قبيح.
والحق أن مجرد العلم بالتكليف - ولو التفصيلي منه - ليس علة تامة لتنجزه، بل لا بأس بالترخيص في مخالفته لجهات خاصة تقتضيه ويعلمها الشارع، فإنه لا بأس بجعل الإكراه والنسيان - مثلا - عذرا مجوزا لمخالفة التكليف الموجود المعلوم وكذلك لا بأس بجعل الجهل بالتكليف بمعناه العام الشامل للموجود منه في أطراف العلم الإجمالي عذرا موجبا للترخيص في الخلاف، كما هو كذلك في الموجود منه في الشبهات البدوية قطعا، بعد ما عرفت من اشتراك التكليف بين العالم والجاهل. ومن الواضح أنه بعد الترخيص من ناحية المولى فلا يكون مخالفة التكليف معصية، ولو وقع هذا الترخيص العام لكان سره أن الشريعة سمحة سهلة.