مصداق الطبيعة الصرفة ليتعلق به الإيجاب، أو ليس مصداقا لكي لا يتوجه إليه التكليف، ولا يبعد دعوى جريان البراءة عن أصل التكليف هنا، وإن قلنا بأن المرجع عند الشك في القدرة هو الاشتغال، وذلك أن الشك هنا إنما تعلق ابتداء وبالأصل في أن هذا الفرد ما هو؟ لا إلى أن المكلف قادر أم لا.
ومنه يعرف حكم ما إذا كان للطبيعة تعلق بأمر خارجي، فإن ذلك الأمر الخارجي إذا كان موجودا وتصل إليه يده فلا يجوز له الاكتفاء في الامتثال بالمشكوك، فإذا قال: " أكرم عالما " والمعلوم عالميته موجود فلا يجوز الاكتفاء بإكرام المشكوك، وإذا انحصر الفرد في ذلك المشكوك فالأقرب - كما عرفت - إجراء البراءة عن أصل التكليف. نعم، إذا كان قادرا على إيجاد فرد آخر يختلف حال اشتراط التكليف بوجود الموضوع وعدم اشتراطه. فعلى الثاني يجب إيجاده ولا يجوز الاكتفاء بالمشكوك، بخلاف الأول فإنه حينئذ أيضا مجرى لأصالة البراءة على الأظهر، كما عرفت.
وأما إن تعلق الوجوب بالعام الاستغراقي أو الطبيعة السارية فكل فرد مصداق مستقل للمكلف به، ويتعلق به تكليف مستقل، ويجري في موارد الشك أصالة البراءة مستقلا، إلا عند الشك حقيقة في القدرة.
هذا كله في ما كان التكليف إيجابا.
وإذا كان التكليف حرمة فإن كان متعلقا بصرف الوجود وانحصر المصداق في فرد مشكوك المصداقية، كما إذا شك في مصداقية مقال للتكلم العمدي في الصلاة، ومصداقية شئ للتتن إذا فرض حرمة شربه بنحو صرف الوجود فالحق هنا أيضا هو البراءة، وذلك أن الحق أن الحرمة كالوجوب متعلق بنفس الطبيعة، فمع الشك في المصداق يشك في تعلق الحرمة به، ويجري فيه عموم كل شئ حلال، والمتعلق وإن كان صرف الوجود إلا أنه لما كان امتثال الحرمة إنما هو بأن لا يتحقق متعلقها، وعدم تحقق صرف الوجود إنما يكون بعدم تحقق جميع الأفراد، فكل من الأفراد بما أنه لو تحقق أولا يكون صرف الوجود يتعلق به الحرمة، فإذا