ولكنك تعرف أنه لا يكشف في ما نحن فيه عن أزيد مما بأيدينا من الآيات، والأخبار، والحكم العقلي الآتي فلا قيمة له أصلا، مضافا إلى الإشكال في تحقق صغراه أيضا في غير التقرير الأول.
نعم، لو ثبت أنه كانت سيرة المسلمين ولو بما أنهم عقلاء على إجراء البراءة في مورد الجاهل بالحكم بمرأى عن النبي أو الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وأنهم (عليهم السلام) لا يردعون عنه لكان فيها حجة أخرى، إلا أن ثبوت تلك السيرة بمرآهم لا طريق إلى إثباته جدا، والله العالم.
في الاستدلال للبراءة بحكم العقل:
وأما حكم العقل فبيانه: أنه كما أن الشارع إذا صرح بأن كل شئ حلال حتى تعلم أنه حرام، أو أنه رفع عن الأمة ما لا يعلمون يحكم العقلاء أنه ليس له أن يعذب المكلف ويؤاخذه على ارتكاب الحرام المجهول، كذلك أن العقلاء يحكمون في باب الإطاعة والمعصية أنه ليس للمولى أن يؤاخذ عبده على ارتكاب الحرمة المجهولة بعد أن فحص عن مظانه ولم يعثر عليه، والشارع لم يتخط عن هذه الطريقة العقلائية، بل قررها، كما يشهد له احتجاجه بأمثال هذه القواعد العقلائية في إيراد أنواع العذاب الدنيوية والأخروية في القرآن الكريم، فإنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين، ولا يظلم الناس شيئا، ولا يعذبهم حتى يبعث رسولا، وهذا هو المعبر عنه بقبح العقاب بلا بيان.
ولا ريب في أنه إذا صرح بإيجاب الإحتياط في موارد الشبهة خصوصا أو عموما فالعقلاء يرون أن له المؤاخذة حينئذ على التكاليف الثابتة في مورده، وأنه بيان يرتفع به قبح العقاب، فلو تم دلالة أدلة القائلين بوجوب الاحتياط لكانت مقدمة وواردة على هذه القاعدة العقلية، كما لا يخفى.
وتوهم أن قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بيان، وواردة أيضا على هذا الحكم العقلي مدفوع بأنه لو أريد به العقاب المحتمل فلا مجال لها إلا في مورد احتمال العقاب، ومع حكم العقل بقبحه بلا بيان لا مجال لاحتماله، فلا مسرح لجريانها،