إلى أن يعرف ذاك القسم الحرام، فإن وقوع لفظه " منه " في قوله (عليه السلام): " حتى أن تعرف الحرام منه " يوجب ظهوره، بل صراحته في ذلك، فلا محالة يكون مفاد الحديث أن كل شئ نوعي أو صنفي - مثلا - كان فيه القسمان فهو حلال حتى تعرف قسمه الحرام، ومثل هذا التعبير ظاهر عرفا ظهورا يقرب من الصراحة في أن مورد كلامه وموضوع الحكم المذكور فيه هو خصوص موارد الشك في انطباق كل من القسمين على المشتبه، التي هي مختصة بموارد الشبهة الموضوعية.
وثالثا: أن عدم القول: بالفصل لا قيمة له أصلا في ما كان هنا أدلة من السنة وغيرها يكون أو يحتمل استناد الأصحاب في أقوالهم إليها، فإنه حينئذ لا يكشف عن أن حكم الله الواقعي لا فصل فيه أزيد مما تقتضيه الأدلة التي بأيدينا.
ومنها: " صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج " وقد رواها الكافي والاستبصار عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، وفي التهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال: لا، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك، فقلت: بأي الجهالتين يعذر: بجهالته أن يعلم أن ذلك محرم عليه، أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال: إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه، وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها، فقلت: فهو في الأخرى معذور؟ قال: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها... الحديث (1).
فالحديث متضمن لحكم الجهل بحكم حرمة التزويج في العدة، والجهل بموضوع أن المرأة في العدة، وقد حكم بمعذورية الجاهل في كلا الموردين وأن الجهل بالحكم أهون وأشد استيجابا للمعذورية من الجهل بالموضوع، ففيه دلالة على المطلوب.
إلا أن فيه أولا: أن الحديث - سؤالا وجوابا، صدرا وذيلا - متعرض لمعذورية