مطلقة ما لم يرد عليك أمر ونهي... الخبر " (1).
فالحديث - كما ترى - غير معتبر أو مرسل، اللهم إلا أن يكتفى في اعتباره بنقل الصدوق له في فقيهه الذي قال فيه: (ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي فيه وأحكم بصحته وأعتقد أنه حجة في ما بيني وبين ربي، تقدس ذكره وتعالت قدرته) (2)، لا سيما وقد صرح بالإفتاء به والاعتماد عليه في جواز القنوت بالفارسية.
وأما دلالته فهي مبنية على إرادة ورود النهي فيه على المكلف، ليساوق وصول النهي فيه، فيدل على أن كل شئ لم يظفر فيه بنهي وحرمة فهو مطلق لا ضيق على المكلف من ناحيته، وهي غير مسلمة لو لم تكن ممنوعة، فإن من المحتمل قويا بل الظاهر أن ورود النهي يصدق على مجرد صدوره عن المعصوم (عليه السلام) في مقام بيان حكم الله تعالى، وإن لم يصل إلى غير من بحضرته من المكلفين فهو أمر واقعي لا يساوق الوصول، وعليه يكون مفاد الحديث: أنه ما لم يصدر من الشارع والمعصومين نهي في شئ فهو مطلق لا حرج في ارتكابه، فالحديث بمفاده منطبق في بعض الموارد على ما مر عن علي (عليه السلام) " وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم ". وفي بعضها على جواز ارتكاب الأشياء قبل أن ينهى الشارع عنها، وأن المنع عن الارتكاب إنما هو بعد نهيه، فينطبق على أصالة الإباحة في الأشياء قبال القول بأصالة الحظر فيها.
وكيف كان: فالإمام (عليه السلام) قد جرى في كلامه هذا على ما هو شأن الإمامة، من بيان وظيفة المكلفين في مقام العمل، ونجاهم عن الحيرة، بأنه لا بأس قبل نهي الشارع في ارتكاب الأشياء أصلا، وهو وإن لم يكن أحد الأحكام الخمسة إلا أنه - على أي حال - تبيين لوظيفة الناس، موجب لخروجهم عن الحيرة، وقصر شأن الإمام على بيان الأحكام الخمسة أو موضوعاتها لا وجه له ولا دليل عليه.