وأما ما في رسائل الشيخ الأعظم (قدس سره): من أن حكم العقل وبناء العقلاء إنما هو لكشف التجري عن سوء سريرة الفاعل فاستحقاق الذم على المنكشف لا الكاشف فهو ممنوع، لما عرفت من أن ملاك الاستحقاق الموجود في المعصية موجود في التجري، فكما أن مصداق العصيان وموجب الاستحقاق هو الفعل الخارجي فكذلك في التجري.
ومن التأمل في ما ذكرنا تقدر على دفع جميع الشبهات المذكورة في كلمات القوم أو المتوهمة، فلا نطيل الكلام بالتعرض لهما ولبيان اندفاعها، والله العاصم وهو الهادي إلى الصواب.
الأمر الرابع: في أن استحقاق العقاب على التجري لا يستلزم حرمته.
وقد ظهر الوجه فيه مما ذكرنا، وحاصله: أن استحقاق العقاب عليه كاستحقاقه على المعصية الحقيقية من فروع وتبعات التكليف ومتأخر عنه، فكما أن استحقاقه على المعصية إنما هو مجرد مجازاة على التكليف المولوي من دون أن يوجب حرمة مولوية للمعصية عند العقل العملي والعقلاء فهكذا الأمر في التجري حرفا بحرف.
وما يقال: من أنه لا ريب في حكم العقل بقبح التجري، ولا في أن كل ما يحكم العقل بقبحه فهو حرام شرعا، فلازمه، حرمة التجري.
فيه: أنا لا نسلم كلية الكبرى، بل القبح أو الحسن: تارة يكون منشؤه ذات العمل الذي يكون مادة التكاليف، مع قطع النظر عن تعلق طلب المولى به، كقبح الظلم وحسن العدل، وأخرى يكون منشؤه تعلق تكليف المولى به ومفاد الهيأة، وما يمكن أن يقال باستلزامه لأمر المولى ونهيه هو القسم الأول لا الثاني، وسند التفصيل مراجعة وجدان العقلاء والعقل العملي.
وأما ما قيل (1): من أن مجرد الحسن أو القبح لا يوجب حكما مولويا، وإنما