وأما إذا أطاع العبد هذا المولى: فإن كان بمجرد إتيان المأمور به وترك المنهي عنه: فقد أدى إلى مولاه حقه الذي كان له من الطاعة، ولا يرى العقل له حقا على مولاه المالك المعطي لوجوده وجميع ما يتعلق به ويتنعم منه، بل وكذلك إذا قصد عنوان الإطاعة فهو وإن فعل فعلا حسنا إلا أنه بعد ما كان هو نفسه وجميع نعمه وكمالاته وتوفيقاته من مولاه فلا يرى العقل له حقا ثابتا على هذا المولى. نعم، لا ريب في أنه قد فعل فعلا حسنا في كلتا الصورتين، بل كأنه فعل حسنتين في الصورة الثانية، وحينئذ فقد افترق هذا العبد عمن لا يبالي بأوامر هذا المولى العظيم افتراقا بينا، فلو أعطاه المولى الكريم - الذي يحب لعبيده الكمال في نفوسهم الشخصية، وجوامعهم - جزاء حسنا كان هذه المجازاة واقعة في محلها، وكان العبد المطيع حريا بها ولائقا لها. بل إذا جاز الله عبيده الفاعلين لنفس الأعمال الصالحة المفيدة، أو التاركين لنفس الأعمال القبيحة الضارة بجزاء حسن لكانت هذه المجازاة حرية لائقة واقعة في محلها، وكانت مما ينبغي ويتوقع من مولى الموالي الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى، ولا يرضى لعباده الكفر رحمة منه تعالى بهم.
ومن ذلك ما ورد في الأخبار من مجازاة الكفار على الأعمال الحسنة بالذات كالسخاء، وعليه فالعبد المطيع وإن لم يستحق على الله شيئا إلا أنه لائق وحري للإحسان من وجهين: بما أنه مطيع لأمر الله تعالى، وبما أنه فاعل للفعل الحسن والمادة المفيدة.
وأما العبد العاصي فقد استحق الله عليه العقوبة حسب مرتبة عصيانه، ولو حرمه الله تعالى بعض ما يعطيه غيره من المراحم والعنايات كان لائقا بذلك واقعا في محله. ولتفصيل الكلام محل آخر، والله الهادي إلى الصواب.
الأمر الثاني: في أن الاستحقاق المذكور هل هو على العمل أو على العزم؟
والحق أن العمل الخارجي بما أنه معنون بعنوان إطاعة أمر المولى متصف بالحسن، وبما أنه إبراز لمخالفة المولى ولا مبالاة بأمره ونهيه ومعنون بمعصيته