نعم، لو قيل في مقام التقسيم: إن المكلف إما أن يقوم عنده طريق معتبر عقلا أو شرعا، أو لا، فيبحث عن القطع وسائر الأمارات حتى الظن الانسدادي على الكشف في القسم الأول، وعن الأصول العملية والظن الانسدادي على الحكومة في القسم الثاني لكان له وجه، إلا أن ما فعله الشيخ الأعظم (قدس سره) أولى وأنسب، كما لا يخفى، والأمر سهل.
ثم إنه لما كان الغرض الأصلي هنا مجرد ذكر تقسيم يكون فهرسا طبيعيا لمباحث الكتاب - كما عرفت - فلا عناية بخصوصية القيود المأخوذة وعمومها فليس هاهنا محل البحث عن أن أخذ قيد الالتفات هل يصح أم لا؟ وأن عموم المكلف للمجتهد وغيره صحيح أم لا؟ إلى غير ذلك بل محل البحث الأول بحث الأمارات والأصول، ومحل الثاني مباحث الاجتهاد والتقليد.
نعم، ظاهر كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) أنه بصدد بيان مجاري الأصول العملية، وحينئذ فتوضيحا وتحقيقا للمقام وتمهيدا لبيان ما هو الصحيح في مجاري الأصول الأربعة ينبغي بيان أمور:
الأول: أن مجرى الاستصحاب لا يختص بالأحكام الإلزامية، بل يجري في الوضعيات والموضوعات الخارجية والأحكام التكليفية غير الإلزامية، بخلاف أصلي البراءة، والاحتياط، بل والتخيير أيضا، فإنها مختصة بالأحكام الإلزامية، فإنها التي يقبح العقاب عليها، وترفع عن المكلف فيما لم يعلم بها، ويلزم على المكلف الاحتياط فيها، أو التخيير بينها. وعليه فتخصيص مجرى الاستصحاب بالتكاليف الإلزامية - كما هو ظاهر كلام الشيخ - لا وجه له.
الثاني: أن التكليف المجهول بعينه كما يتنجز بالعلم الإجمالي بأصل الإلزام كذلك يتنجز بالدليل الخاص على الاحتياط، كما في مورد الدماء والفروج بل الأموال، فجعل مجرى البراءة مطلق ما إذا لم يعلم بالتكليف مما لا وجه له.
الثالث: انه إذا لم يعلم بأصل التكليف والإلزام ولم يقم دليل خاص على الاحتياط فهو مجرى قاعدة البراءة الشرعية والنقلية، وإن لم يمكن فيه الاحتياط