المولى متصف بالقبح، والعقل والعقلاء يرون أن للمولى حق أن يعاقب عبده على عمله هذا السئ بما أنها معصيته. ومن الواضح أن عنوان المعصية والطاعة متأخر عن التكليف ومترتب عليه، فالأمر أو النهي متعلق بذات العمل، وعنوان الإطاعة والعصيان يعرض على العمل بما أنه مخالفة للأمر أو النهي أو موافقته، والعقاب يستحق على المعصية، فموضوع التكليف ومركبه ذات العمل ومفاد المادة، ومنشأ العقاب هو مخالفة التكليف ومفاد الهيأة.
وعلى أي حال فالعمل الخارجي مصداق المعصية، وهو الذي يستحق عليه العقاب، وهكذا في جانب الإطاعة مصداقها العمل الخارجي، وهو الموجب للياقة الثواب وابتغائه.
كما أن الانبغاء الذي قلنا به في الاتيان بالأفعال الصالحة المفيدة أو غير الصالحة المضرة موضوعه العمل الخارجي، فالمكلف بما أنه فعل وأتى بفعل ذي مصلحة فلو أحسن إليه كان الإحسان واقعا في محله، وبما أنه أتى بفعل ذي مفسدة كان حرمانه من بعض الألطاف والمراحم واقعا في محله.
نعم، لو جازى الله تعالى على عزم الطاعة، أو حرم المكلف لأجل مجرد العزم على المعصية بعض المواهب، لكانت المجازاة أو الحرمان أيضا واقعا في محله، إلا أنه لا ريب في أن استحقاق العقاب إنما يكون بحكم العقل العملي والعقلاء على العصيان والمخالفة العملية، لا على العزم بالمعصية، سواء أتجرد عن العمل أم قارنه.
هذا كله بالنسبة إلى الإطاعة والمعصية الحقيقيتين.
الأمر الثالث: هل التجري موجب لاستحقاق العقاب؟
والحق: أن الوجدان السليم يقضي بأنه يوجب استحقاق العقاب كما في الكفاية، إلا أن موضوعه ومنشأ العقاب هنا أيضا هو العمل الخارجي، حذو ما مر في العصيان الحقيقي.
بيانه: أن القاطع بالقطع الطريقي إذا قطع - مثلا - بأن شرب التتن حرام، أو بأن